يبدو أن مرحلة الحسم السياسي قد حانت ليس على الصعيد الداخلي في دول مجلس التعاون الخليجي؛ بل على صعيد العلاقات الخارجية والتحالفات الدولية.
فالرسالة التي لم تكن مفهومة قبل القمة التشاورية التي اختتمت أعمالها في الرياض بشأن إشراك باريس في القمة باتت اليوم أكثر وضوحاً، خاصة وأن هذه الخطوة تعد نادرة للغاية في تاريخ منظومة مجلس التعاون منذ تأسيسه مطلع ثمانينات القرن العشرين.
كانت بعض التحليلات تشير إلى أن دعوة الرئيس الفرنسي للمشاركة في القمة الخليجية الهدف منها «تعزيز العلاقات الثنائية»، ولكن من الواضح أن هذه المشاركة لم تكن كذلك بل جاءت لتحقيق هدفين؛ الأول يتعلق بتوجيه رسالة للغرب بقيادة الولايات المتحدة بأن هناك خيارات دولية أخرى يمكن الاعتماد عليها، ونتذكر هنا كلمة الرئيس هولاند في القمة عندما قال: «يمكنكم الاعتماد على فرنسا». فالاعتماد رسالة فرنسية بإمكانية التحالف بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وباريس من جهة أخرى، خاصة أن مرحلة البحث عن حلفاء جدد طال أمدها بعد أن استمرت منذ العام 2011. وهذه الرسالة تأتي قبل أسابيع قليلة من إقامة القمة الأمريكية - الخليجية في كامب ديفيد بناءً على دعوة الرئيس أوباما.
الهدف الثاني هو كيفية الاعتماد على فرنسا باعتبارها قوة كبرى في حسم الأزمات المعقدة في المنطقة، خاصة تلك التي تملك باريس نفوذاً تاريخياً فيها، كما هو الحال بالنسبة للدول العربية في الشام.
بطبيعة الحال فإنه لا يوجد في عالم السياسة الدولية تحالفات مجانية ودون مقابل فما يمكن أن تقدمه دول الخليج قد يفوق تصور باريس التي تتطلع للاستثمارات الخليجية ولأموال خزائن حكومات دول المنطقة. لنعود سريعاً إلى 29 ديسمبر 2013 عندما أعلن الرئيس اللبناني أن الرياض ستقدم للجيش اللبناني نحو 3 مليارات دولار بهدف «تقوية قدراته». وفي 20 أبريل الماضي تم الإعلان عن تسلم الجيش اللبناني أسلحة فرنسية من السعودية.
لم تقتصر مكاسب فرنسا من المساعي الخليجية للتحالف معها على تلك المنح التي نالتها باريس لتسليح بيروت، بل استمرت حيث تم التوقيع قبل أيام على صفقة قطرية - فرنسية لبيع 24 طائرة رافال الفرنسية إلى قطر بقيمة سبعة مليارات دولار وحرص الرئيس الفرنسي على حضور مراسيم التوقيع عليها في العاصمة القطرية الدوحة قبل ساعات من إقامة القمة التشاورية الخليجية.
لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي عندما وصل إلى العاصمة السعودية عشية القمة الخليجية صرح بأن بلاده تبحث مع الرياض نحو 20 مشروعاً اقتصادياً بقيمة عشرات المليارات من اليورو. في النهاية حصيلة الخزنة الفرنسية من دول مجلس التعاون لن تقل عن 10 مليارات دولار، وهي مبالغ قد تثير حنق وأسف الكثير من القوى الدولية «الصديقة».
هذه المعطيات تكشف لنا أن مشهد التحالفات الخليجية - الدولية بات أقرب إلى الحسم، وقد يتطلب هذا الحسم مجرد أسابيع، حيث ستتضح الرؤية بشكل أكبر من أي وقت مضى، علماً بأنه لم تكن هناك فترة تاريخية شهدت أقل عدد من الزيارات الرسمية المتبادلة بين واشنطن ودول مجلس التعاون مثل الممتدة خلال السنوات الأربع الماضية.