الملفــات التــي ناقشهــا القــادة الخليجيــون في قمتهم التشاورية في الرياض معروفة، وهي تمثل تحديات تواجه دول المنظومة الخليجية، وتواجه منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط برمته. وبلاشك فإن جميع هذه الملفات تمثل تحدياً، ولكن التحدي الأكبر هو كيفية ضمان وحدة الموقف الخليجي الذي تمكن من إنجازه العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله -رحمه الله- في لحظات تاريخية ستبقى خالدة.
قوى دولية وأطراف إقليمية تراهن دائماً على قدرتها في اختراق التماسك الخليجي-الخليجي، والقدرة المرنة لدى حكام هذه الدول في تجاوز الخلافات وتحقيق المساندة المتبادلة وقت الأزمات، لذلك ظهرت الكثير من المحاولات يمكن تتبع الأخيرة منها تاريخياً منذ دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الانتقال إلى مرحلة الاتحاد الخليجي حيث عولت القوى المناهضة للمنظومة الخليجية على ضرورة الاستمرار في تفكيك دول هذه المنظومة وإضعافها، ولذلك فرحت كثيراً عندما ظهر التباين بين مواقف الدول الخليجية تجاه مشروع الاتحاد الخليجي.
لاحقاً ظهر الخلاف الخليجي-الخليجي النادر، وكان هناك تعويل على استمرار الخلافات الخليجية البينية، ولكن الخلاف انتهى دون رجعة بعد تفاهمات الرياض الشهيرة. أيضاً جاءت أزمة اليمن وعملية عاصفة الحزم وبعدها عملية إعادة الأمل لإنقاذ الشرعية في اليمن، وتم التعويل على ظهور خلافات بين دول الخليج بشأن هذه العمليات المهمة، وكانت النتيجة مخيبة للآمال.
بهذا التسلسل التاريخي يمكن ملاحظة التباينات التي ظهرت خلال فترة قياسية لا تتجاوز السنوات الأربع، وكيف كان التحدي كبيراً لإحداث اختراق في المواقف السياسية الخليجية والتلاعب بمصالحها، ولكن دول المنظومة الخليجية لديها إدراك أكثر من أي وقت مضى بضرورة توحيد المواقف والتنسيق الجماعي على صعيد السياسة الخارجيـــة لمواجهـــة تحديـــات المنطقــــة والتدخلات الإقليمية والدولية.
التحدي الذي تواجهــه دول مجلــس التعــاون الخليجي ليس تحدياً يتعلق بكيفية التعامل مع القضايا الداخلية والخارجية، بل هو تحدٍ يتعلق بكيفية العمــل الجماعــي المشتـــرك، فاستمرار هذا العمل والتنسيق الجماعي يعنـــي استمرار وجود الكيانات الخليجيـــة، وحفظ مكتسباتها، وضمان قوتها السياسية في النظام الدولي، واستمرار الفرص بظهور قوة إقليمية خليجية بقيادة المملكة العربية السعودية.
تحدي قمة الرياض هو كيفية الحفاظ على الموقـــف الخليجـي الموحد مع وجود تحـــولات إقليمية تبــدأ مــن سوريــــا التــي لـــم يحسم صراعها بعد وتتطلب تدخلاً خليجياً سريعاً، انتقالاً إلى اليمن قبل أن يسقط في براثن النفوذ الإيراني حفاظاً على شرعيته، بالإضافة إلى الحاجة لموقف خليجي نهائي تجاه الملف النووي الإيراني قبل الإعلان عن الاتفاق النهائي لهذا الملف بين الغرب وطهران، أخيراً العلاقات الخليجية-الأمريكية التي تتطلب حسماً استراتيجياً من دول الخليج تجاه ما يمكن أن تقوم به خلال الفترة المقبلة بعد فتور سياسي طويل نسبياً.