أهي "نكتة" أو ما يسمى بالمصري "حدوتة"؟ عندما تطالب سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة سامنتا باور بإطلاق سراح أحد قادة الانقلاب، وتدعي أن توقيفه "غير عادل" وتصفه بـ"الظالم"، والأدهى من ذلك أنها تطالب بإطلاق سراحه الآن، حيث قالت "يجب إسقاط التهم الموجهة إلى رجب وإطلاق سراحه الآن"، إنه التعالي الأمريكي الذي يتمثل في أسلوب هذه السفيرة التي لا تعي من تخاطب، إنها تخاطب دولة عربية لا تمت إليها بصلة دم ولا بقرب حدود، ثم إنها وإن كانت ذات صلة وقرابة فليس لها أيضاً الحق في أن تتدخل في الشأن البحريني، فالبحرين دولة ذات سيادة، ليس لأحد حق سواء سفيرة أو عزيزة، أن يتكلم بكلمة أو يؤشر بإشارة على البحرين، فالبحرين ليست مدينة بالتيمور الأمريكية التي يقتل فيها السود ويسحل فيها الصحافيون، ويرفع الأطفال فيها لافتات ويكتبون عليها "هل سننجو من أمريكا؟" من هول قمع الشرطة الأمريكية. إن التدخل الأمريكي في الشأن البحريني بدأ من رئيسها ودبلوماسييها ومنظماتها، وهو أمر في غاية الغرابة، في الوقت الذي تقوم فيه الجيوش الأمريكية بقتل الشعوب الإسلامية في العراق وفي أفغانستان وفي اليمن بقنابل وأسلحة محرمة دولياً. نعم أمريكا شاركت في قتل أكثر من 2 مليون عراقي، كما قامت باعتقال مئات الآلاف منهم، وشردت منهم الملايين بين لاجئ في الخيام وبين عابر بحار، تعاونت مع إيران في إبادة شعب ومسح هويته وسرقت منه أرضه ونفطه، وجعلته يبحث عن لقمته بين أكوام القمامة، حرمته من أبسط مقومات الحياة، كهرباء وماء صالح للشرب ودواء، هذا ما فعلته أمريكا في الشعب العراقي وفي الشعب الأفغاني، ثم تخرج علينا اليوم لتقول "توقيف فلان غير عادل وهو توقيف ظالم" إنها نكتة أو ما يسمى بالمصري "حدوتة". أمريكا هي التي تستبيح دماء السود من شعبها، فقد أطلق شرطي أمريكي أبيض النار على طفل أمريكي أسود لا يتجاوز عمره 12 عاماً فأرداه قتيلاً، وذلك فقط لأنه كان يلعب بمسدس "لعبة من البلاستيك" في نوفمبر 2011، وها هو شاب أمريكي أسود يدعى فريدي جراي من مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند يتوفى بعد احتجازه لدى الشرطة متأثراً بجراحه في أبريل الماضي، حيث أكد كيفن مور الذي قام بتصوير جراي بالفيديو أن الشرطة قامت بطي جراي كما لو كان ورقة نبات "أوريجامي"، ووضع شرطي ركبته على رقبة الضحية الذي كان يصرخ لكونه لا يستطيع التنفس، ثم نقل لاحقاً إلى المستشفى إلا أن سيارة الشرطة توقفت مرتين قبل أن تقوم بنقله، التوقف الأول لكي تقوم الشرطة بتقييد قدميه، والثاني لإحضار سجين آخر تم فصله عن جراي بحاجز معدني في مؤخرة سيارة الشرطة، وقد فرضت رئيسة البلدية هناك حظر التجول في المدينة اعتباراً من الساعة العاشرة مساء حتى الخامسة فجراً، كما وضع حاكم ولاية ميريلاند الحرس الوطني في حالة تأهب، وأمر بإرسال تعزيزات من الجنود إلى المدينة، حيث تم تجهيز 5 آلاف جندي من الحرس الوطني لمواجهة أعمال الاحتجاجات رداً على قتل جراي، كما قتل ضابط شرطة أمريكي مواطناً أمريكياً أسود أعزل مختلاً عقلياً في مدينة أتلانتا، وكما يقول التقرير إنه ثالث حادث من نوعه خلال أسبوع، حيث قتل ثلاثة مواطنين سود عزل في ولايات ويسكنسون وميسوري ونيويورك. أما تصرف أمريكا تجاه الناشطين والصحافيين، فحدث ولا حرج، فقد تحدثت صحيفة "إنترناشيونال بيزنس تايمز"، عن اعتقال الشرطة الأمريكية لمصور صحافي، وتعرض صحافي آخر للسحل والضرب، وذلك خلال تغطيتهما للمظاهرات التي تشهدها مدينة بالتيمور، حيث ذكر المحرر الذي تم الاعتداء عليه ويدعى "جي إم جيوردانو" وهو صحافي بصحيفة المدينة الأمريكية، أن "الشرطة اعتدت عليه مراراً وتكراراً". ونقول هنا لسعادة السفيرة "ليس من حقك أن تتدخلي في الشأن البحريني"، كما نقول لها "إذا كان لديك شعور بالحماس وكان متوقداً لديك، عليك أن تكوني أكثر واقعية وعقلانية بأن تطالبي الحكومة العراقية بالتوقف عن إبادة أهل السنة على يد مليشيات الحشد الشعبي ، أو تطالبي أمريكا بالتوقف عن إرسال طائراتها بدون طيار التي تقتل بها أطفال أفغانستان، أو تطالبي إيران بالتوقف عن إعدام شعب الأحواز، فهناك دول تقتل شعوبها بالملايين وبالبراميل مثل سوريا يمكنها أن تستوعب حماسك المتدفق كي يصب في مكانه الصحيح، أو أن حماسك ينصب فقط في البحرين؟ ونقول لك "المسألة قد تكون فيها "إن.. وإن"، وعلى أمريكا أن تعيد النظر في سياساتها تجاه البحرين، لأن البحرين ليست "بالتيمور"، البحرين دولة ذات سيادة أثنت على جهودها أمريكا في مكافحة الإرهاب، كما شاركت في تحالفها ضد تنظيم الدولة "داعش"، وشاركت في عملية "عاصفة الحزم"، ولكن بعد "عاصفة الحزم"، الأمر أصبح لدينا مختلفاً، لأننا عشقنا "الحزم"، ولا بد من "الحزم" كي نستطيع أن نعيش في سلام.