أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ ثلاث مبادرات هامة منذ توليه الرئاسة في مارس 2013 وهي إحياء طريق الحرير البري الذي يربط الصين بالعالم عبر آسيا الوسطي والشمالية والجنوبية والشرق الأوسط. وطريق الحرير البحري الذي يربط الصين بجنوب شرق آسيا وجنوب آسيا والبحر الأحمر وشرق أفريقيا ومصر وصولاً إلى شمال أفريقيا وجنوب أوروبا. والمبادرة الثالثة هي إنشاء بنك استثمار آسيوي للتنمية في البنية الأساسية للدول على طريق الحرير البحري.
ومن الجدير بالذكر أن طريق الحرير البحري يعد إحدى حلقات الوصل المهمة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وبين شرق أفريقيا والبحر الأحمر ومصر التي بدورها أطلق رئيسها عبد الفتاح السيسي ثلاث مبادرات مهمة بإنشاء قناة سويس جديدة ومنطقة للتنمية الاقتصادية محيطة بها وهي تتغلغل في أعماق شبه جزيرة سيناء شرقاً وفي الغرب بين منطقة قناة السويس ومدينة القاهرة العاصمة المصرية العريقة والمبادرة الثالثة بإنشاء عاصمة إدارية لمصر بين القاهرة وبين منطقة قناة السويس.
والمبادرات الصينية مثل غيرها من المبادرات الكبري المهمة أثارت عدة تساؤلات وشكوك من بعض الدول الإقليمية والدولية لحساسية علاقاتها بالصين ولحجم الصين الضخم الذي تخشاه تلك الدول. ولكن العالم العربي وبخاصة مصر ودول الخليج العربية تلقت تلك المبادرات الصينية بالترحاب وشارك عدد من خبرائها والمتخصصين في بلادها في تلك المؤتمرات التي ضمت مفكرين وخبراء وباحثين متخصصين في الشؤون الصينية، ومن بينهم كاتب هذه السطور الذي عمل سفيراً لمصر في الصين، والذي كانت دراساته وبحوثه الأكاديمية من البحوث الرائدة منذ الستينات في القرن العشرين حتى الآن بصفته أحد الخبراء الدوليين في الشؤون الصينية والأعضاء المشاركين في منتدى الخبراء الدوليين في الشؤون الصينية والذي تعقده أكاديمية شنغهاي للدراسات الاجتماعية منذ المؤتمر الثاني لذلك المنتدى عام 2006 وحتى الآن. وهذا المنتدى يعقد كل عامين في مدينة شنغهاي.
وقد أثار بعض الباحثين والمتابعين من الدول الغربية الكبرى التساؤل هل تسعى الصين لفرض هيمنة اقتصادية ومالية على العالم وتجعل من هذا البنك نداً أو منافساً للبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي اللذين تهيمن عليهما الدول الغربية وبخاصة الولايات التحدة؟
ولذا فمن المهم أن نوضح بعض الحقائق منعاً للخلط وسوء الفهم وأول تلك الحقائق أن الصندوق هو مبادرة صينية ذات طابع دولي فهو مفتوح لجميع دول العالم وبالفعل اشتركت في تأسيسه أكثر من 30 دولة من مختلف مناطق العالم من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا كما شاركت فيه مصر ودول مجلس التعاون عدا البحرين والتي أعتقد أنها ينبغي أن تنظر لهذا البنك في إطار سياستها بالانفتاح على آسيا وإرساء دعائم التعاون الآسيوي وهي المبادرات التي أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدى، في خطته لتطوير مجلس التعاون منذ عام 2010 والتي تضمنت الاهتمام بالبعد الآسيوي في سياسة البحرين الخارجية، ولهذا قام جلالته بزيارات لعدة دول آسيوية وفي مقدمتها الصين واليابان والهند وكذلك فعل صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء اللذين قاما بزيارات إلى عدة دول آسيوية وبخاصة الصين. ولم تتوانً صاحبة السمو الملكي الاميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة صاحب الجلالة عاهل البلاد عن زيارة الصين وإجراء مباحثات مهمة مع الهيئات الصينية المختصة بقضايا المرأة والثقافة والرعاية الاجتماعية وغيرها. كما استضافت البحرين عام 2013 مؤتمر وزراء الخارجية للدول الآسيوية في المنامة لبحث سبل التعاون الآسيوي، وأيضاً المؤتمر الوزاري للتعاون بين دول "الآسيان" ودول مجلس التعاون الخليجي، وترأس الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية المؤتمرين المذكورين اللذين أصدرا عدة مبادرات وفي مقدمتها الموافقة على جعل البحرين مدينة السياحة الآسيوية لعام 2014
من هذا المنطلق نقول إن مملكة البحرين تقوم بدراسة الانضمام لبنك الاستثمار الآسيوي في البنية الأساسية إسوة بشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي.
وكما هو معروف فإن بنك التنمية والاستثمار الآسيوي سيقوم بتمويل مشروعات البنية الأساسية على طريق الحرير البحري، وسيعقد في الفترة القادمة اجتماعات للأعضاء المؤسسين لوضع النظام الأساسي للبنك وكيفية ممارسته لأعماله وطرق تمويله للمشروعات المختلفة.
ولعل أهم ما يميز البنك أن الصين رغم كونها الممول الرئيس للبنك باعتبارها صاحبة المبادرة وأكبر دولة لديها احتياطي نقدي عالمي، يربو على 4 تريليونات دولار أمريكي فإنها مع ذلك لا تتطلع للسيطرة على أحد ولا للهيمنة العالمية تماشياً مع تاريخها وحضارتها العريقة التي لم تسعَ لاحتلال الدول الأخرى كما حدث في الاحتلال الأوروبي لمختلف الدول في العديد من مناطق العالم، بل سوف تمارس دورها في البنك مثل باقي الأعضاء الآخرين، وفقاً للقواعد التي سيتم وضعها والاتفاق عليها. ولعله مما يذكر أن الانضمام للبنك يعتمد على رغبة الدول واستعدادها وليس على التقدم بمساهمات أو تمويل مسبقاً.
وفي تقديري كباحث في الشؤون الاستراتيجية الدولية وبخاصة الشؤون الصينية أن مبادرة البنك الآسيوي هي أكثر المبادرات خدمة للدول النامية التي طالما دعت لإنشاء نظام اقتصادي دولي جديد منذ سبعينات القرن العشرين من خلال اجتماعات ومؤتمرات حركة عدم الانحياز واجتماعات مجموعة السبعة والسبعين للدول النامية والصين وهي التي تربو عضويتها على مائة وثلاثين دولة. والصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة تقدم هذه المبادرات من أجل تطوير وتعزيز التجارة العالمية، وهذا يخدم الصين، كما يخدم الدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء. ولذلك لا عجب أن معظم دول مجلس التعاون وجمهورية مصر العربية بادرت بالاستجابة لكي تكون من بين الأعضاء المؤسسيين لبنك الاستثمار الآسيوي. ولا ينبغي أن يتصور أحد أن هذا البنك سيكون مؤسسة خيرية وإنما سيكون مؤسسة اقتصادية مالية تسعى لإفادة الدول المساهمة والدول المنضمة وباقي دول العالم لأن تطوير البنية الأساسية سوف يفيد جميع دول العالم.
* باحث متخصص في الدراسات
الاستراتيجية الدولية والصينية