في «عاصفة الحزم» كانت هناك أكثر من عملية خداع فاعتاد التحالف على النشاط الجوي المكثف من الشمال مما أفقد الانقلابيين في اليمن الإحساس بحتمية العاصفة رغم تلبد غيومها سياسياً


في ليلة 21 سبتمبر 2014، سمع أهالي صنعاء صرير جنازير دبابات الحوثيين العائدين من ثقوب التاريخ السوداء، وهم يسحبون في أثرهم الأمن من الشوارع، يتبعهم الرعب الأسود كصرير عجلات عربات حمالي الجثث في زمن الطاعون. وبعد استغاثة الرئيس عبدربه منصور هادي كان لابد من نجدة اليمنيين وإخراجهم من أزمنة التوحش، فانطلقت من الشمال «عاصفة الحزم». وفي «عاصفة الصحراء» عام 1991، كان الهجوم الجوي متوقعاً تماماً بالحس الاستراتيجي لأنه يوافق الموعد النهائي، الذي حددته الأمم المتحدة لضرب صدام حسين إذا لم يخرج من الكويت. أما في «عاصفة الحزم» فقد كانت هناك أكثر من عملية خداع، فاعتاد التحالف على النشاط الجوي المكثف من الشمال، مما أفقد الانقلابيين في اليمن الإحساس بحتمية العاصفة، رغم تلبد غيومها سياسياً. وفي 26 مارس 2015 بدأ قصف كثيف لمواقع الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وكان لابد للرياح الشمالية أن «تعشي عيالها» كما يقول أهل جزيرة العرب عندما يتوقف هبوب الرياح الشمالية في الليل، ففي 21 أبريل 2015 توقفت «عاصفة الحزم»عن الهبوب بعد تحقيق أهداف العملية. ورغم إدراكنا أن توثيق الدروس المستفادة من «عاصفة الحزم» يحتاج لوقت طويل لتمحيصها قبل تسجيلها، إلا أن بالإمكان القول إن من الدروس المستفادة ما يلي:
* لا يمكن لفرع مستقل مهما كانت له من قدرات أن يكسب حرباً لوحده، وبما أن معركة الأسلحة المشتركة هي السبيل للنصر، فلا مجال مرة أخرى للتعويل على قوات برية من خارج الخليج، فقد لا تأتي.
* كانت أرض المعركة معقدة بين جبال وسهول ومناطق مبنية مما يتطلب تطوراً في التكتيك والفن القتالي إما بالأسلحة أو بالتمارين وعبر إعادة تنظيم وتسليح القوات الخليجية لمواجهات إقليمية.
* ضرورة تحديد الأهداف، وتكوين بنك معلومات عن كل مصادر التهديد، سواء «إقليمي منخفض متوسط أو عالي الكثافة»، ويشمل إحداثيات الأهداف، طبيعتها ودرجة تحصينها، ومستوى الدفاع عنها، وأهمية هذه الأهداف اقتصادياً وعسكرياً.
* اعتمدت الحملة الجوية بشكل كبير على منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات، والاستخبار ونظم إدارة المعركة «C4I BM» لتوفير المعلومات في وقت حقيقي ثم التعامل معها، لكن المشكلة تمثلت في أن تقدير وتحليل الموقف ضمن هذه المنظومة في «عاصفة الحزم»، شاركتنا فيه دولة عظمى تستطيع تقنين المدخلات وتوجيه المخرجات.
* رغم أن القوات المعادية باليمن لن تتطور في القريب إلى مهارات ما وراء حرب العصابات، وستركز على الكم بدل الكيف، إلا أن علينا الحذر من الاندفاع في الحكم بكفاءة المقاتل الخليجي، فهو لم يواجهها. ومعارك الموجة الرابعة يمكن أن تنفذها قوات صغيرة الحجم على درجة عالية من التدريب وخفة الحركة وقدرة قتل كبيرة، وقدرة على التأثير على المستويات التعبوية والاستراتيجية ضد خصوم أكثر عدداً ومزودين بأسلحة تقليدية.
* أبـــرزت «عاصفـــة الحـــزم»أن المفـــاجــأة يستطيـــع تحقيقها من يستطيع دمج تكتيكاته بالتكنــولــوجيــا الحديثة، لــــذا يتوجب تطوير تسلحنا بناء على دروس قصف الحوثيين، ومعرفة أهمية الأسلحة ذات المدى البعيد، والأسلحة ذات القدرة التدميرية العالية، فإعادة إمداد مخازن السلاح الخليجية جراء ما خرج منها فرصة ذهبية لذلك.
* كانت مهمات صيد الصواريخ البالستية الحوثية موفقة، ويجب أن توضع ضمن أسبقية أعمال القتال المستقبلية، ويجب الإلمام بالتكتيكات التفصيلية، لوحدات الصواريخ المعادية لاصطياد قواذفها المتحركة عبر معرفة زمن إخلاء القاذف لموقعه بعد الإطلاق.
* تطوير قدرات النقل الجوي الاستراتيجي لتحقيق أمرين، الأول هو الحملة الجوية التي تشكلت من 10 دول بعض إمدادها خارج الحدود السعودية، أما الأمر الثاني ولم يحدث فهو لتحقيق سرعة فتح القوات power projection حيث لم يدخل التحالف في مرحلة الحرب البرية.
بالعجمي الفصيح..
الرياح الشمالية تتوقف حتى «تعشي عيالها» في الليل، لكنها تعود لمواصلة هبوبها فاستعدوا لها في ثنايا عملية «إعادة الأمل».
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج