منذ أسبوع تقريباً وقصة الفتاة الهاربة من منزل أهلها إلى شقة تقيم فيها مع بويات، والتي تكلمنا عنها في مقالين ماضيين، تثير ضجة، وسط اهتمام من الرأي العام البحريني حيث أصيب الكثير ممن سمع بقصتها بالدهشة والاستنكار والامتعاض من آلية التعامل الخاطئة التي سهلت عليها الهروب والاستمرار في التنقل بين الشقق والفنادق. كما أن قصتها قد ألقت الضوء على قصور تشريعي في القوانين الموضوعة وسط مطالبات بتدخل أعضاء مجلسي النواب والشورى فقد شهد الموضوع أيضاً الكثير من النقاشات والتعليقات من قبل عدد من المواطنين ونستعرض في مقالنا هذا عدداً من النقاط المهمة التي نرفعها إلى الجهات المختصة متمثلة في وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للمرأة ووزارة العدل والتربية والتعليم ومجلسي النواب والشورى والجهات ذات العلاقة.
فعندما توجه أولياء الأمور إلى أحد القضاة - الذي وجد نفسه في حيرة من أمره من هذه القضية التي لم يشهد مثلها من قبل - علماً بأنها ليست القضية الوحيدة إنما قد تكون القضية الأولى التي تصل إلى القضاء وتظهر على السطح، أخبر الأهل بأنه لا يوجد قانون يجبر البنت على العودة إلى منزل والديها كما لا يوجد قانون أيضا يتيح لها أن تعيش خارجاً وتمارس أموراً غير أخلاقية بمعنى أن القضاء البحريني وجد أن هناك قصوراً تشريعياً من الواجب على أعضاء مجلسي النواب والشورى اتخاذ قرار سريع من خلال تشكيل لجنة مستعجلة وإيجاد حل لهذه المشكلة كما أن رد المجلس الأعلى للمرأة المنشور بجريدة أخبار الخليج بتاريخ 19 أبريل الماضي أخلى نفسه من مسؤولية ما كرره بعض المسؤولين على أهل الفتاة حينما أكدوا أن القانون قد وضعه المجلس الأعلى للمرأة بالقول «لا يمكن تحميل المسؤولية الناجمة عن بعض الممارسات الفردية والشخصية لبنود الاتفاقية المذكورة وخاصة تلك التي تحفظت عليها البحرين، كما لا يمكن السماح لهذه الممارسات التي تخرج عن نطاق المبادئ الثابتة للأسرة البحرينية بأن تنقض على إنجازات المرأة التي كفلها لها الدستور والتي تقوم على احترام قيم الأسرة وبرّ الوالدين والالتزام بالأسس والمبادئ الشرعية التي تقوم عليها الأسرة منذ القدم»، مما يؤكد أن ما حدث من خلال ترك الفتاة في الشارع ليس له علاقة بتوقيع مملكة البحرين على اتفاقية «السيداو» حيث أكد المجلس تحفظ مملكة البحرين على المادة التي تتيح للمرأة حرية التنقل والسكن والسؤال الذي تطرحه أم الفتاة للمسؤولين: من يتحمل مسؤولية ترك ابنتي في الشارع لأكثر من شهر وما قد تتعرض له وفق قرار من أحد المسؤولين ابتكر من عنده قانوناً يتيح لها حرية ممارسة ما تريد طالما المجلس الأعلى للمرأة نفى وجوده؟
عدد من الأهالي والنواب وجدوا أن مشكلة هذه البنت تأخذ بعداً تربوياً وسلوكياً مرتهناً بالتنشئة، واعتقد أن هذا محل خلاف حيث تساءل أحدهم وماذا لو كانت التنشئة صحيحة لكن تفسدها فسحة القانون فأهل الفتاة وجدوا أن القانون قد «قوى موقف ابنتهم الخاطىء» ومنحها حرية غير مسؤولة تتسبب بالمشاكل والإحراج لهم ولم يمنحهم فرصة تعديل أو تقويم سلوك انحراف ابنتهم أو التصدي لعملية غسيل المخ التي جرت لها من خلال «بوية» في الثلاثين من عمرها أغرتها بالأموال والحرية!
إن هذه القضية باختصار لا يمكن رميها في مرمى التربية إن كان الشخص قد حظي بتنشئة صالحة وتربى في بيئة سليمة ولم يتعرض للإهمال فأصابع اليد ليست سواسية وهناك مقولة شعبية تقول «في كل بيت لازم يطلع لك واحد عوي!!»، بمعنى قد تجد أباً وأماً انشغلا بتربية أبنائهما أحسن تربية وأدخلاهم أحسن المدارس والجامعات فيضحي جميعهم من ذوي الأخلاق الحسنة إلا واحداً منهم يشذ عن البقية، فهنا لا يمكن ترك هذا الواحد كمثل التفاحة الفاسدة التي تفسد حياة البقية بالمشاكل فإحدى هذه الحالات، من الفتيات الهاربات، فتاة عندما تمت إعادتها إلى منزلها كانت تقوم بإدخال رجل سكير إلى غرفتها مما شكل تهديداً على سلامة شقيقاتها ولولا ستر الله ولطفه لضاعت أخواتها معها، بمعنى عندما يجد الأهل أنه لا حيلة لهم أمام هذه المواقف التي تشبه من أدمن تعاطي الخمور والمخدرات هنا يجب على الدولة أن تتدخل وتقوم هذه الانحرافات بالقانون ومراكز التأهيل النفسية الإرشادية والعلاجية.
أم الفتاة تؤكد: قمنا بتربيتها أحسن تربية ولم نقصر في حقها يوماً لا من ناحية التعليم ولا حتى الأموال والدليل انظروا لأخواتها كيف يعشن حياتهن باحترام مقابل ما تقوم به هي ونحن لسنا أسرة مهملة تترك أطفالها بالشوارع أو يصادقن فتيات سيئات حتى نقول إن هذا جزاء إهمالنا!
القضية أيضاً تأخذ بعد مسألة الحرية للشخص البالغ رغم أن علماء النفس والاجتماع أكدوا في دراسات عديدة أنه لا يوجد عمر محدد لنضوج العقل بمعنى هناك من يكتمل نضوجه العقلي مع دخول العشرين وهناك من يكون عند الثلاثين كما أن مفهوم الحرية لا يعني السماح بالحرية المطلقة التي تهدم المجتمع، لأن هذا معناه القبول بالكثير من الممارسات الأخرى، كتقبل وجود الشواذ، فإن ترك الحال على ما هو عليه فمعنى هذا لا غرابة أن نجد غداً إحدى البويات تتجه إلى القضاء لطلب الزواج من فتاة مثلاً! فلا يمكن أن نقول إن تصرف هذه البنت مرهون بالحرية الشخصية لأننا دولة إسلامية ومجتمع له عاداته وتقاليده وعلينا أن نرتهن في كل تصرفاتنا بالمعايير الأخلاقية ويجب أن تكون القوانين بالدولة موضوعة على هذا الأساس وأي سلوكيات غير سوية يعالجها القانون لا أن يدعمها ويوفر لها غطاء الحماية القانونية!
كثيرون ارتهنوا في هذه القضية إلى تقويم السلوك وأهمية إيجاد قانون صارم يقومه إن أفلت من يد الأهل بسبب كثير من العوامل التربوية التي أخذت تسحب البساط من دور الأم والأب في هذا الزمن خاصة أمام الانفتاح الإعلامي والإلكتروني والتلفزيوني وهناك وجهة نظر وجدت أن القوانين بالدولة تتعامل مع الشخص بإجراءات عقابية لا تأديبية مما يجعله يكرر الجريمة فور انتهاء العقوبة!
إن توفير الحماية القانونية هو أساس القضية التي إن لم تجد وقفة حازمة اليوم فغداً ستكون هناك أكثر من فتاة يتجهن إلى الجامعة أو المدرسة ويجدن مندوبات الاتجار بالبشر يقمن بإغوائهن أمام قلة خبرتهن بالحياة وبالحرية وبالأموال للانحراف وعدم الوعي بمسؤولية تصرفاتهن وفي حال محاولة الأهل التصدي لذلك يجدن القانون في صف ابنتهن لا في صفهم. والحاجة الملحة التي تفرض نفسها اليوم سن تشريع عاجل يحمي فتيات البحرين من هذا الباب الذي يسرقهن من منازلهن ويختطف راحة عائلاتهن وإيجاد مراكز تأهيلية تعالج مثل هذه الانحرافات السلوكية بحيث عندما يتجه الأهل إلى مراكز الشرطة يتم تحويل هذه الفتيات إلى هذه المراكز لا إلى الشارع حتى لا تستغل الفتاة فسحة القانون وتجدها حاضنة لأفكار من الممكن تطبيقها على أرض الواقع فلا بد من قانون يعالجها ولا يتيح لها الحرية الهدامة.
في الغرب، إذا عرفت الدولة أن الأبوين غير صالحين لتنشئة أبنائهما لا يمكن أن تتركهم ولا ثانية معهما، فكيف بقانون يترك الأبناء ويأخذهم من آبائهم الذين يسعون للحفاظ عليهم من تجار الاتجار بالبشر والبويات؟ فالأهل عندما بدؤوا يلاحظون تصرفات ابنتهم غير السوية حاولوا جاهدين تقويمها إلا أن القانون هو من أوجد لها فسحة الهروب وكأنها هي الصح وهم الخطأ !
هناك من وجد أن على الأهل التبرؤ منها طالما هي قامت بمثل هذه المشكلة دون الوقوف على مقولة «من يده في الماي غير من يده في النار»، وهو مجرد كلام لن يطبقه لو مر به يوماً موقف مشابه مع أبنائه كما أنه يتعارض مع فطرة الأمومة والأبوة فمستحيل أن تنسى الأم ابنتها، وألا تظل طيلة اليوم تفكر أين ابنتها؟ وما قد يحصل معها؟ وهل هي حية أم ميتة؟ وهل هي بخير؟ أو هناك من يحاول إيذاءها خاصة إن كانت من النوع المهتمة جداً بأبنائها، والحريصة على مصلحتهم، فالنبي يعقوب عندما أخبره أبناؤه أن الذئب أكل ابنه يوسف لم يقتنع وابيضت عيناه من الحزن وهو نبي وابنه نبي فكيف بسائر الناس والبشر. إن مطالبة الأم والأب بنسيان ابنتهما وتركها بالشارع أمر غير منطقي ويتعارض مع هذه الفطرة التي لا يمكن لأي قانون أن يمحوها، فهما وجدا لأجل حماية أبنائهما وإرشادهم في حال ضياعهم، ولا يقبلان فكرة السماح بتركهم يضيعون أكثر!