هي البداية؛ ودائماً ما تكون صعبة ولكن لا مستحيل أبداً مع العزيمة والإصرار، واسمح لي عزيزى القارئ إذا كنت تعتقد أن التحالف العربي مؤقت وسينتهي مع تطهير اليمن من الدرن الإيراني، فأنت غلطان، وسأترك الإجابة على العنوان المصلوب أعلى المقال، وسأبدأ بالبدايات..
في يونيو 2014 حين وصل المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود إلى القاهرة واستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي على متن طائرته، حينها اقترح الملك السعودي على الرئيس المصري فكرة إنشاء تحالف عربي يمتد من الخليج إلى ليبيا، قوامه 200 مليون نسمة، وقوة عسكرية هائلة وضخمة مجهزة بأحدث الأسلحة، ويحتكم على 70% من نفط العالم، ويتحكم في أهم ثلاثة منافذ بحرية بالنسبة للعالم (مضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس).
كان الملك العربي الشهم، عبدالله بن عبدالعزيز، يستشعر حجم المخاطر والتحديات والمؤامرات التي تحاك لأمن واستقرار دول المنطقة ككل ولشعوبها، وما آلت إليه الأمة نتيجة "ربيع الضياع"، وكان ينظر إلى هذا التحالف كدرع وحماية، لكن القدر لم يمهله، فأوكل إلى عضيدة وأخيه وولي عهده الملك سلمان بن عبدالعزيز مهمة إتمام المهمة، ومنذ أول يوم له على سدة الحكم عمل خادم الحرمين على إعادة الواقع العربي إلى أفضل وأقوى مما كان عليه، أملاً في وحدة عربية تنشدها جميع شعوب المنطقة المثقلة بالهموم واليأس والمآسي.
خلال شهرين من استلامه سدة الحكم شكل سلمان بن عبدالعزيز تحالفاً يعد الأقوى في منطقة الشرق الأوسط من حيث العدد والعدة والعتاد، وفي خلال 27 يوماً فقط حقق انتصاراً واسترد صنعاء المستلبة منذ 2004 وأجهض حلم عودة أمجاد الدولة الفارسية والذي كانت إيران تعمل على تنفيذه منذ 36 سنة.
ولعل ذلك يدفعنا إلى طرح السؤال الشائك وهو؛ ماذا حققت "عاصفة الحزم"؟
ما تحقق من "عاصفة الحزم" كثير، بدءاً من تأديب الحوثيين وداعميهم، وانتهاءً بإزالة شوكة إيران في المنطقة، وخطر حقيقي على الحدود السعودية والخليجية، وبذلك عرف الموهومون والمغرمون بالقبح الفارسي أن إيران عاجزة عن نصر أعوانها، وعرفت إيران نفسها، أن دول الخليج ليست "لقمة سائغة"، فلديها أنياب ستقضم أياً من يجرؤ على الطمع أو المساس بأرضها، ولن تضام صنعاء بعد اليوم ما دام العرب موجودين.
الدرس الثاني الذي تحقق، كل ما طالبت به المبادرة الخليجية، بات حكماً أممياً صادراً عن مجلس الأمن، وتحت البند السابع الذي يعني أن المجتمع الدولي يراقب، وفق مهلة محددة (انتهت الخميس الماضي)، وما لم تلتزم الأطراف اليمنية ومن خلفها المخلوع علي عبدالله صالح، فإن هناك قوة دولية ستتشكل للرد والردع، وليس القوات السعودية وحدها أو التحالف الحالي، وهذا نصر سياسي يوازي النصر العسكري.
الدرس الثالث وليس الأخير؛ بعد أن نجح التحالف في قطع الأصبع الإيرانية في اليمن جاء الدور على دمشق، ومن ثم باقي الأصابع في العراق ولبنان، ومن بعده -إن شاء الله- سنبتر الكف اللعينة من قلب الخليج العربي، فنطهره من الرجس الصفوي وننقيه من درن ولي الفقيه.
وفي رأيي المتواضع، إن معركة دمشق "عاصفة الحزم-2" لن تكون القوة حاضرة فيها بشكل مباشر، لكن الفعل بمناحيه سيكون تسليحاً للثورة السورية، وممارسة ضغوط سياسية حثيثة، ومن أكثر من جانب للضغط على نظام الأسد ومحاصرته لتضييق الخناق عليه، وهو في جوهره وقوته تحرك عربي خالص ستقوده السعودية وتؤسس له.
وذلك ما يدفعنا إلى طرح التساؤل الفلسفي دون حاجة إلى أسئلة تقليدية عن الرؤية المستقبلية للتحالف، ولعل السؤال الصحيح هو؛ ماذا يريد التحالف أن يكون عليه في المستقبل؟
أن يكون المرجع والمبشر والنذير، للتحصين، والدفاع، وحراسة، وحماية حقوق دول التحالف الأعضاء وشعوبها من خلال القوة العسكرية، بإرادة عربية وقيادة مستقلة، وفق استراتيجيات مقاربة لحلف شمال الأطلسي.
فبعد فكرة بناء التحالف (لقاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالسيسي في الطائرة) بدء تنفيذ المرحلة الثانية، وهي التحدي والتصدي وكسر رهبة الخوف وعرفت بـ (عاصفة الحزم)، أما المرحلة الثالثة والتي بدأت الأسبوع الماضي وعرفت بـ (إعادة الأمل) فالهدف منه الإنقاذ والإغاثة، ومن المقرر بعده ذلك الدخول إلى المرحلة الرابعة وهي مرحلة إطفاء الحرائق وتعافي الجوار، ثم أخيراً وليس آخراً المرحلة الأخيرة، وهي العمران والنمو (مشروع سلمان).
لم يبق بعد هذه السطور إلا كلمة وحيدة لخدم ولي الفقيه وماسحي جوخه، اعتبروها نصيحة، اعتبروها تهديداً، احسبوها كما يحلو لكم؛ "كفاكم عمالة وقذارة وتطبيلاً لإيران على حساب انتماءاكم وهويتكم الخليجية العربية، واحمدوا ربكم أن القانون هو من يقوم بدور الحائل بينكم وبين من يموج الثأر فى صدورهم، ويتلمظون للفتك بكم".