الملاحظ أن الفضائيات التي تخصص كل أو جل وقتها للإساءة إلى البحرين برعاية من يعتبرون أنفسهم معارضة تهتم هذه الأيام باستضافة شخصيات تنتمي إلى بعض الدول العربية كي يقولوا عن البحرين ما يراد منهم قوله. هذا يتحدث عن التعذيب في السجون، وذاك يتحدث عن المحاكمات المسيسة وغير العادلة، وثالث عن قمع التظاهرات السلمية، ورابع وخامس وعاشر يتحدثون عن أمور من يسمعها يعتقد أن البحرين بلاد لا تنتمي إلى البشر وأن الدول التي ينتمون هم إليها ملائكية.
المفارقة أن هؤلاء المتحدثين لا يستطيعون أن يتفوهوا بكلمة واحدة عن الحكومات في بلدانهم رغم كل ما يرونه من أخطاء وقمع وتعذيب وتفقير وإهانة للشعب، لأنهم ببساطة يعرفون ما ستجلبه عليهم تلك الكلمة، لكنهم ينفتحون على الآخر وهم يتحدثون عن البحرين، والسبب هو أنهم مدعوون من قبل "البحرينيين" ليقولوا معهم وبالنيابة عنهم ما يودون قوله وسماعه.
في المؤتمر الدولي الحقوقي الرابع الذي عقدته "المعارضة" في بيروت تحت عنوان "البحرين.. غياب العدالة وإخلال بالالتزامات الدولية"، والذي نظمه ما يسمى بـ "منتدى البحرين لحقوق الإنسان"، قال المشاركون فيه من أولئك الذين يخشون أن يقولوا عن بلدانهم كلمة واحدة، قالوا عن البحرين الكثير مما لا يمكن لعاقل تصديقه واعتمد مصادر لا يعتد بها، فكل ما قالوه مصدره "المعارضة" نفسها، وهو ما لا يمكن قبوله، فأي موضوعية يمكن أن يتحلون به ومصدرهم الوحيد هو "المعارضة" التي لا يمكن أبداً أن تشير إلى أي فعل إيجابي للحكومة؟
أولئك الذين يصمتون عما يدور في بلدانهم جبناً يستأسدون في المؤتمرات المخصصة للإساءة إلى البحرين، فيروون قصصاً سمعوها عن التعذيب هنا ويصمتون عن قصص التعذيب التي عاشوها هم أو أقرباؤهم في سجون بلدانهم الممتلئة بالمعتقلين السياسيين. يروون قصصاً عن غياب العدالة في البحرين سمعوها ولم يعيشوها، ويسكتون عن الكثير من القصص التي يعيشونها في بلدانهم وتؤكد غياب كل عدالة لديهم لأنهم يعلمون جيداً أنهم إن فتحوا أفواههم فسيتم إغلاقها بالصمغ. يتهمون البحرين بإخلالها بالالتزامات الدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها، وهذا غير صحيح، ولا ينبسون ببنت شفة عن تعطيل كل القوانين في بلدانهم وكل الاتفاقات والالتزامات الدولية، لأنهم يعرفون جيداً أنهم لو نبسوا يبسوا ولم يروا النور ثانية.
ليس هؤلاء فقط من يعيش التناقض فيقول كل شيء عن هنا ويصمت عن كل شيء هناك؛ وإنما المشاركون من البحرين أيضاً الذين يتحدثون عن أمور يعيشون نقيضها، فهم يتحدثون عن العدالة وهم الأبعد عنها، ويتحدثون عن الالتزامات وهم لا يلتزمون بأي شيء، ويتحدثون عن التعذيب وهم لا يتوانون عن ممارسة أقسى أنواع التعذيب لو سقط من يحاربونه في يدهم، فمن يعتبرونه نموذجاً ومثالاً فعل ويفعل الشيء نفسه.
الحوثيون في اليمن تظاهروا ليعبروا عن مطالبهم وانتقدوا السلطة التي تعاملت معهم بموجب القانون، ثم عندما سيطروا يومين على صنعاء قمعوا المتظاهرين وأطلقوا عليهم الرصاص. الإيرانيون يفعلون الشيء نفسه، والمتابع يقول ببساطة إن كانت المعارضة في إيران "كفو" فلتخرج في مظاهرة في طهران أو في أي مدينة أخرى لترى ما تفعله السلطة فيهم، ويكفي رؤية ما تفعله إيران "المسلمة" في الأحوازيين الذين لا يكاد يمر عليهم يوم إلا ويعدم منهم بعض شبابهم، لا لشيء إلا لأنهم رفعوا صوتهم ليعبروا عن مطالبهم وعن رفضهم للظلم الذي يعيشونه. والأمر نفسه يعيشه آخرون يعانون الويل من "الحكومة الإسلامية" هناك.
كل الدول التي ينتمي إليها أولئك الذين "أخذوا راحتهم" وهم ينتقدون البحرين في المؤتمر المذكور تمارس الفظائع، وهي أولى بالنقد من قبلهم.