تحدثنا في مقالنا السابق عن حرب الوكالة وأنواعها وتفاصيلها، ثم تطرقنا إلى بعض الإضاءات التاريخية حول هذا الموضوع، وأخيراً ختمنا حديثنا بالسؤال الآتي؛ كيف استطاع "الوكلاء" في تنفيذ مخططات موكليهم في حروب أضرت عالمنا العربي ولم تفده في أي شيء؟
قبل كل ذلك نقول هنا؛ يتوهم من يعتقد أن الكثير من الفصائل والأحزاب والجماعات المقاتلة في عالمنا العربي، هي مجرد جماعات مسلحة بسيطة أو هامشية خلقتها الصدفة، ربما هذا الفهم الساذج لا يمكن أن يتطابق وواقع الحال، خصوصا مع القراءة المتأنية التي طرحناها في مقدمة الموضوع، بل ما هو مؤكد بالنسبة إلينا، هو أن الجماعات المسلحة في غالبها، هي عبارة عن دول تحارب بعضها البعض، وتستفز بعضها البعض، وتضغط على خصومها عبر هؤلاء الوكلاء. جماعات تنتمي لمجموعة من البلدان أو حتى لذات البلد التي تنتمي إليه، لكنهم في حقيقة الأمر، هم مرتزقة لدول أخرى، حيث لا يمكن أن نصف مقاتلين يمتلكون أجهزة مخابرات وأسلحة متطورة وربما أسلحة جرثومية وغيرها، بأنهم مجرد جماعات مسلحة أو جماعات جهادية، بل كل هذا الإمداد الكبير التي تتحصل عليه هذه الجماعات، يكون عبر برامج مسبقة وتخطيطات شيطانية عالمية من طرف الدول المتصارعة.
استطاعت تلكم الدول المتنافسة على النفط وأخواته من استخدام المرتزقة من كل أنحاء العالم لخوض معارك عنها بالوكالة، ونجحت إلى حد ما في إقناع العالم -على وجه الخصوص الشعوب الغربية- بضرورة استخدام الجماعات المسلحة في خوض الصراعات المميتة والحاسمة بدلاً من دخولهم في حروب مباشرة ربما تكون تكلفتها أكثر بكثير من صراعات الظل.
إن الحرب النظامية أكثر وضوحاً في تحديد الخسائر والأضرار وحصرها، أما في حروب الجماعات المرتزقة والتي نطلق عليها هنا بحرب الوكالة تأدباً، سيكون من الصعب جداً تحديد الخسائر، وإذا حصلت فإنها لن تنال من الدول والأنظمة التي تقف خلفها بصورة مباشرة، ولهذا سيكون كل ضحاياها، إما من أولئك المرتزقة أو من شعوب تلكم الدول التي تقع على أراضيها حروب الوكالة.
الربيع العربي وفي الكثير من جوانبه يأخذ شكل ما أطلقنا عليه "حرب الوكالة"، حتى من دون أن يلتفت إليه أصحاب الصراع، ولهذا فإن الخاسر من هذه الحروب القذرة والتي يمكن أن نطلق عليها حروب "الظل"، هي الدول والشعوب التي تقام على أراضيها هذه الحروب، وهي الدول العربية لا غيرها، وهي التي ستدفع كذلك فاتورة الدم، وفاتورة الإعمار للدول الغربية على هيئة "شيكات" بيضاء خالصة للناهبين والطامعين.
هل سيأتي اليوم الذي نرفض فيه حرب الوكالات؟ أم سنكون هكذا نعمل من دون وعي كمجندين في معسكر الدول الكبرى؟ نتمنى الإجابة سلباً على السؤال الأول.