من المنتظر أن يقر مجلس الوزراء في جلسة اليوم (الإثنين) قانون الميزانية العامة للدولة، هذا ما صرح به بعض النواب يوم أمس، وإذا ما أقر مجلس الوزراء قانون الميزانية العامة، فذلك يعني أن قليلاً من الوقت وتصل الميزانية للمجلس.
السادة النواب أبدوا انزعاجهم بشكل واضح وصريح من تأخر وصول الميزانية إليهم، وأصبحوا على يقين أن الميزانية ستصل إليهم بصفة «الاستعجال»؛ ما يعني أن الحكومة تريدهم أن «يسلقوها»، لا أن تطبخ بهدوء.
ومن الواضح أن الحكومة انتهجت من الدهاء القانوني في موضوع إحالة الميزانية، وقامت باستغلال ذلك بحسب قانون المجلسين واللائحة الداخلية للمجلس.
بمعنى أن هذه الإجراءات تُلاعب فيها الحكومة النواب حتى لا يتوفر لهم الوقت الكافي لبحث تفاصيل الميزانية، وبالتالي تمرر بسرعة بسبب عدم وجود وقت لمراجعة تفاصيل ميزانية كل وزارة وهيئة.
إذا كان اليوم هناك تحدي انخفاض أسعار النفط، وهو أكبر تحدٍ كون المورد الرئيس بالميزانية مازال النفط، وسيبقى النفط حتى إذا نضب، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للميزانية العامة هو تحدي أولويات مواطنين ودولة.
الحديث أيضاً خرج من أكثر من جهة حول عدم تأثير انخفاض أسعار النفط على مكاسب المواطنين، وهذا تطمين جيد، غير أن هذا الحديث يعني أن انخفاض أسعار النفط ستؤثر على أمور أخرى، فما هي؟
هل غيرت الدولة أسلوب ونهج وخطط وضع الميزانية الجديدة عما كان يحدث سابقاً؟
هل قامت الحكومة الموقرة بدراسة أوجه الإنفاق السابقة والتي تصب في أمور ينبغي التخلي عنها أو تقليصها؟
هل مازلنا نضع ميزانيات ضخمة لجهات تقوم بالصرف ببذخ على أمور إكسسوارية؟
هل ميزانيات النظافة في الوزارات، وفي وزارة البلديات أيضاً تحتاج إلى مراجعة، بعد تضخم هذه الميزانيات بشكل كبير ومخيف ولا يتوافق مع حجم البحرين الجغرافي ولا عدد السكان، ولا مع الوزارات التي تنفق ملايين الدنانير على النظافة؟
هل مخصصات وبدلات السفر تحتاج إلى مراجعة، كما أن حجم الوفود الرسمية يحتاج إلى مراجعة؟
ذات مرة قرأت مقالة لأستاذ متخصص في الاقتصاد يقول فيها «حين تقوم الحكومات بالاقتراض لتمويل مشروعات خدمية أو رواتب، فإن هذا الاقتراض يشبه الاقتراض الخاسر، ذلك أن الدول تحتاج إلى إقامة مشروعات ذات مردود كبير على الاقتصاد الوطني، حتى يتم تدوير المال واستغلاله أفضل استغلال ليعود بالمداخيل والربحية على الدولة عاماً بعد آخر».
السؤال هنا؛ حين نقترض لإقامة مشاريع خدمات، وهي مطلوبة، فعلينا كذلك أن نقترض لإقامة مشاريع صناعية ضخمة تدعم الناتج المحلي وتوفر وظائف للمواطنين وتحرك عجلة الاستيراد والتصدير، هذا النوع من الاقتراض يعود بمردود بعد فترة زمنية، وإذا نجح المشروع فإنه قد يسدد القرض والفوائد في فترة زمنية قصيرة، وبعد ذلك يتوفر صافي ربح ممتاز.
ذات مرة سألني أحد الأخوة: «ما هو آخر مشروع صناعي كبير أقامته الدولة مع شركاء محليين أو خارجيين»..؟
فقلت للأخ: «هناك مشاريع صناعية جيدة أقيمت»، فقال: «كلها مشاريع خاصة، فبعد مشروع مصنع ألبا لم نقم بإنشاء مشروع صناعي كبير يشبه ألبا أو البتروكيماويات».
نحن مع عميق الأسف (كدولة) نقترض لتمويل مشاريع خدمية ولا نقوم بالاقتراض لإنشاء مشاريع صناعية عملاقة توفر مناخاً كبيراً لأوجه كثيرة يحتاجها الاقتصاد الوطني والإنسان البحريني كوظائف ومدخول مرتفع.
أعتقد أننا نعاني من أزمة وضع سلم أولويات في الميزانية العامة، كما أن للمجاملات أثر سلبي على تخصيص مبالغ كبيرة لجهات بعينها، في وقت حرج جداً محلياً وخارجياً وإقليمياً.
تحدي الأمن وواجب دعم الجيش البحريني، كلها تحتاج أن نضع أولوياتنا تحت المجهر، وأن نعرف ماذا يجري حولنا، الجيش البحريني اليوم حتى وإن كان من أفضل الجيوش الخليجية تدريباً واستعداداً وخبرة وتسليحاً؛ إلا أن التحديات التي أمامنا تجعلنا نضع قائمة بما يحتاجه الجيش على وجه السرعة من تدريب وأسلحة وعتاد متطورين وأفراد وذخائر.
نقف اليوم في منطقة رمال متحركة، وإن لم تكن لنا أساسات قوية وثابتة فإن هذه الرمال قد تفعل الكثير، كما تفعل الكثبان الرملية في الصحراء.
حين تأتي (الدقة المفاجئة) لا ينفع الندم، ونقول لم نتوقع أن يحدث ذلك ولم نحسب حسابنا، علينا كدولة أن نكون جاهزين (في الداخلية والجيش والحرس الوطني) لأي تطورات مفاجئة، وهذا يتطلب استعداداً وتدريباً وتجهيزاً وعتاداً ورجالاً أكفاء مخلصين لوطنهم وقيادته، حتى وإن كنا ضمن منظومة درع الجزيرة، ومع ذلك يجب أن نملك كل الخيوط بأيادينا.
من هنا فإن تحديد الأولويات هام جداً، وهذا يقع على الحكومة والنواب معاً، الطرفان عليهما المسؤولية.
كما أن مسؤولية اصطياد الأماكن المظلمة في الميزانية العامة هي مسؤولية كبيرة للنواب، خاصة أن جلهم جدد وقليلي الخبرة في هذه المواقف، فإذا ما أحيلت الميزانية بصفة الاستعجال؛ هل يستطيع النواب الوصول في وقت قياسي للأماكن المظلمة؟
هل يستطيع النواب إغلاق بنود أو تخفيض بنود وتحويل ميزانيتها لأمور أساسية للمواطن؟
الميزانية العامة ستشكل ثالث تحدٍ كبير أمام النواب، وقد تكون أكبر التحديات، فهل سيكون النواب في مستوى التحدي؟
** رذاذ
استمعت لمداخلة أحد الإخوة النواب في جلسة سابقة يتحدث فيها عن الدين العام المتفاقم، فقال النائب: «كيف ستسددون الدين العام؟».
أعتقد أن المشكلة ليست مشكلة تسديد، سيقال إننا نحتاج لقرض جديد لتسديد القديم، ليس هنا المشكلة.
السؤال هو؛ كيف ستخفضون الدين العام؟ وما هي السياسات لذلك؟ وما هي الخطة الزمنية؟ بينما (أرباح) ديون البحرين السنوية تقدر بـ 300 مليون دينار حتى الآن، ناهيك عن القرض نفسه.
السؤال أيضاً؛ كم سيصل الدين العام مع نهاية 2018 مثلاً؟