بعد انقضاء الحربين الكونيتين العالميتين، وبعد الخسائر الهائلة في الأرواح والبلدان، تلك التي تقاسمتها أوروبا بضفتيها وموسكو وحليفاتها، أصبحت الدروس المستفادة من الحربين أكبر بكثير من كل التفاصيل، فما أن جفت الدماء حتى بدأت أوروبا تتعافى من الحروب التي نهشت كل أركانها، فقامت بالبناء دون أن تلتفت إلى الانقاض والويلات.
هذه الدروس ليست عربية بطبيعة الحال، ولهذا فإنها تمت بتوافق غير مسبوق وتكللت بالنجاح، لم تكن الثارات ولا العصبيات من يحكم المستقبل هناك، بل كان البناء وعدم الالتفات إلى الماضي هو شعار أوروبا ومعها موسكو.
حين اقتربت بريطانيا العظمى في ثمانينيات القرن المنصرم من حرب شبه محققة مع الأرجنتين وصراعها القديم حول جزر فوكلاند، ضغط كل العالم الغربي على لندن والأرجنتين كي تتريثا في خوض معركة ربما تذكرهم بشبح الحربين العالميتين، فانفض المشهد بطريقة «لا من شاف ولا من دري».
إن من أبرز الدروس التي تعلمها الغرب وبالطبع معه روسيا، هو عدم خوض أي حرب في المستقبل بطريقة مباشرة، مهما كانت أسبابها ومسبباتها، لكن هذا لا يعني عدم وجود صراع حقيقي بين من يتقاسم العالم في يومنا هذا، خصوصاً بعد انقضاء الحرب الباردة، ووضوح صورة المعارك القادمة، والتي تعتمد دائماً وأبداً على تقاسم النفوذ والثروات بين الدول الكبرى، فكان لابد لهم من دخول معارك حقيقية، لكن هذه المرة «بالوكالة».
إذاً ما هي الحرب بالوكالة؟ يعرفونها على أنها «حرب تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافاً أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل مباشر، على الرغم من أن القوى استخدمت حكومات أخرى كوكلاء للحرب، إلا أن المرتزقة والأطراف العنيفة غير القانونية وأطراف أخرى يتم استخدامها بشكل أكثر، حيث تأمل القوى أن تتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الانجرار إلى حرب شاملة، وعادة ما يكون استخدام حروب الوكالة أفضل استخدام خلال الحروب الباردة، حين تصبح ضرورة لإجراء نزاع عسكري مسلح بين طرفين متحاربين بينما تستمر الحرب الباردة».
أمريكا ومعها أوروبا وروسيا لا يريدون الانجرار إلى حرب كونية ثالثة، تلك التي ربما لو حدثت فإنها سوف تكون الحرب الأخيرة في تاريخ البشرية لما لها من مخاطر لا يمكن أن توصف في سطور، خصوصاً مع تطور وسائل القتال وتطوير الأسلحة الفتاكة عبر العالم، ولهذا نجد هذه الدول تعتمد في حروبها الشرسة اليوم ضد بعضها البعض عبر وكلاء يقومون بالحروب وكالة عنهم، وبالفعل نجحوا إلى حد كبير جداً في تحقيق أهدافهم من خلال وكلائهم المخلصين؛ فكيـــف كان لهـــم ذلك؟

.. وللحديث بقية