مستعجلون دائماً، الأفكار كالجراد تقفز في رؤوسنا، لا نترك فكرة واحدة تختمر لكي تخرج بشيء مختلف أو غير مألوف أو مغاير لما هو موجود، الأفكار تدور وتدور ولا تتوقف للتنفس، إنها نفس الأفكار التي لا علاقة لها بفعل الجديد، لهذا ترى هناك من يقول لك نسيت محفظتي أو مفاتيح السيارة أو البيت، ولا أعرف أين وضعتها، ناهيك عن نسيان المواعيد التي ضربتها مع أحد الأشخاص، تركته ينتظرك في المقهى المحدد دون جدوى، كل هذا بسبب الجراد الذي يتطاير في رأسك وأنت لا تعرف كيفية استخراجه من تجاويف هذا الرأس.
فالعقل مثل الجسد تماماً، يحتاج إلى الراحة، إلى الدلال، إلى المكافأة، وهذه المكافأة لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الصلاة التي قال عنها نبينا العظيم محمد وهو يوجه كلامه لبلال «أرحنا بها يا بلال»، أو عن طريق الاسترخاء، والذي هو نوع من أنواع الصلاة التي تريح العقل من حركات الجراد.
قرأت قصة طريفة عن العقل الهادئ وكيف يمكن أن يكون الإنسان قادراً على التذكر بسرعة لم يعرفها أو يتعود عليها من قبل، تقول القصة..
اكتشف مزارع ذات يوم أنه فقد ساعته اليدوية في مخزن الحبوب، كانت تلك الساعة غير عادية، إذ أنها ذات قيمة عاطفية خاصة بالنسبة إليه، وبعد تفتيشه ونبشه في التبن لمدة طويلة لم يعثر على شيء، فتوجه طالباً مساعدة مجموعة من الفتية الذين كانوا يلهون ويمرحون بالقرب من المخزن، ووعدهم المزارع بمكافأة لمن يعثر عليها، وهكذا أسرع الفتية وولجوا المخزن وأخذوا بالبحث الحثيث عن الساعة في كل ركن وزاوية لكن دون جدوى.
وعندما كان المزارع على وشك الاستسلام واليأس من إيجادها تقدم فتى صغير من المزارع طالباً منه مهلة أخرى للبحث، ألقى المزارع نظرة على الفتى وقال: «لم لا؟!».
بعث المزارع الفتى لمخزنه، وبعد هنيهه من الوقت عاد الفتى والساعة بيده، فرح المزارع ودهش سائلاً الفتى كيف نجح في هذه المهمة في حين فشل فيها الآخرون، رد الفتى قائلاً: «لم أعمل شيئاً سوى الجلوس على المصطبة والتصنت وإرهاف السمع، في مثل ذلك الجو من الهدوء والسكينة تناهت إلى سمعي تكتكات الساعة فقمت وبحثت عنها في ذلك الاتجاه فوجدتها».
يقول ناقل القصة إن العقل الهادئ المسالم يستطيع أن يفكر أحسن من العقل المشغول، اِعط لعقلك كل يوم بعض الدقائق من الهدوء واُنظر كيف سيساعدك في حياتك.
قول الكثير من الناس إن جميع مشكلات البشر أساسها عدم قدرة الإنسان على الجلوس في حجرة منفرداً، وفي الحقيقة، ربما لا أكون مبالغاً إذا أيدت هذا الكلام، ولكني متأكد تماماًً أن العقل الهادئ هو أساس السلام الداخلي، كما أن السلام الداخلي يؤدي إلى السلام الخارجي.
إذا كنت تريد أن تشعر بالراحة النفسية وبالتالي الجسدية، فما عليك إلا أن تطرد كل الأفكار غير المهمة وتبقي على فكرة واحدة فقط، بمعنى دخول الاسترخاء، أي أن يكون عقلك فارغاً من كل الأشياء المحيطة، لا تسمع إلا نبضات قلبك والهواء الداخل إلى رئتيك والخارج منها، وأنت هناك تركز فقط على ما تريد ستجد الحل لما تريد.
كل ما عليك أن تكون بعيداً عن كل ما يمكن أن يبعدك أو يشوش عقلك عن الإنصات الداخلي، داخلك أقوى مما تتصور، ويعرف أكثر من عقلك الواعي، دع داخلك ينصت وسوف يسمع كل ما يريد سماعه، بالضبط كما سمع الطفل تكتكات الساعة.