في الربع الأخير من القرن العشرين ظهرت فكرة شرطي الخليج، ولاحقاً تطورت الفكرة عندما تمكنت الولايات المتحدة خلال نهاية الحرب الباردة من تطوير الاعتماد على قوة سياسية إقليمية لحماية مصالحها، ولكنها سرعان ما انتهت بغزو الكويت عام 1990، وظهور فكرة التواجد العسكري الأمريكي المباشر في الخليج العربي.
هذه التحولات تمت خلال أقل من عشرين سنة فقط رغم حجمها الكبير، والفكرة نفسها أثارت جدلاً في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أثيرت مسألة جدوى استمرار التواجد العسكري الأمريكي في الخارج، وتحديداً في الخليج العربي.
سياسيو واشنطن تتباين آراؤهم بشأن التواجد العسكري الأمريكي في الخليج، ولكن العسكريين بالمقابل يرون أنها ضرورة استراتيجية لا يمكن التفريط بها بسبب المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة الهامة، ووجود إمكانية لملء الفراغ عسكرياً وأمنياً من القوى الكبرى في المنطقة لتتولى مسؤولية حماية مركز النفط العالمي.
هذا الجدل لم يحسم بعد، ومازال مستمراً، ولا نتوقع أن ينتهي سريعاً، ولكن ماحدث مؤخراً أثار الجدل الأمريكي من جديد على نطاق واسع، حيث يرى طرف ضرورة الاستفادة من التحالف الخليجي ـ العربي الذي يقود عمليات عاصفة الحزم في حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. وطرف آخر يرى هذا التحالف بمثابة تهديد مستقبلي للمصالح الأمريكية مما يتطلب تعاملاً مختلفاً خلال الفترة المقبلة. السؤال هنا؛ ما موقف دول التحالف الخليجي ـ العربي من الدور المستقبلي الذي تتطلع القوى العظمى والكبرى لأن يلعبه هذا التحالف لاحقاً؟
خلال أقل من أسبوع لاحظنا كيف تمكنت دبلوماسية هذا التحالف من تغيير المبعوث الأممي في اليمن جمال بنعمر، وهناك توجهات لتعيين دبلوماسي خليجي نائباً لخلفه. ولاحظنا أيضاً أن هناك اختبارات دولية بدأت تظهر، كما حدث عندما وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما نهاية الأسبوع الماضي دعوته لدول الخليج العربية على «المساعدة في تهدئة الفوضى في ليبيا».
تلك مؤشرات تعكس الاهتمام الدولي بأن يتولى التحالف الخليجي ـ العربي دوراً هاماً في المسؤولية الأمنية في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، لأنه من منظور اقتصادي سيكون أقل كلفة من تواجد عسكري أمريكي أو غربي ضخم في المنطقة. وتكلفة عملياته ستكون أقل إذا كان هناك تحالف قادر على القيام بعمليات عسكرية وأمنية بالنيابة عن الغرب في هذا الإقليم المضطرب. أما سياسياً فإن هناك تحالف سيساهم في التخفيف من الأعباء السياسية التي تتولاها الولايات المتحدة في المنطقة. الجدل مازال مستمراً في الولايات المتحدة، ولكن الجدل مازال غائباً لدينا نحو شعوب دول التحالف الخليجي ـ العربي، وكذلك حكوماتنا التي نتطلع لأن تتولى زمام أمن المنطقة بدلاً من القوى العظمى والكبرى، فالمنطقة لأهل المنطقة.