- عذراً عبدالله القصيمي..
عذراً أستاذي الفاضل لم نعد كما تقول؛ لم نعد «ظاهرة صوتية»، أصبحنا نوفر رصاصات بنادقنا للحرب والمواجهة ولاستعادة الشرف العربي المغتصب، بدلاً من تبديدها في حفلات أعراسنا والرقص على شرفٍ ورقي.
مهلاً أستاذي الغاضب، أوقف حنقك، هدئ روعك؛ فالعرب وأخيراً اتحدوا.. اتخذوا بالحزم مواقف، وضعوا أنذال الأمة في مآزق.. في عواصف.
لم نعد «ظاهرة صوتية».. وتركنا الأصوات لخصمٍ يتجرع غصة نارية، تلهب جوفه، تثير «الهستيريا» في قوله، بل في فعله، بل في خوفه.. وتركنا الإرث العربي البائس، وصنعنا يوماً أفضل لضمان إشراقة يوم قادم.
لكن أستاذي الفاضل.. هل «عاصفة الحزم» فلتة من الفلتات التاريخية، أم استفاقة من غيبوبة عربية؟!!
جلسة مكاشفة..
هل كانت «عاصفة الحزم» في بدايتها تستهدف تمريغ الأنوف الإيرانية في التراب؟ هل كان أحد أسبابها تلقين طهران درساً لن تنساه؟! حسبما أرى -وأرجو أن أكون مخطئة- فإن الدرس الخليجي لم يكن إلا صدفة ولدها اليمن بطلب «الفزعة» له، صحيح أن طهران ذات صلة بمجريات الأحداث في اليمن، ولكنها أيضاً ذات صلة بعدد من الملفات الأخرى في المنطقة والتي لم يتخذ فيها قرار كقرار «عاصفة الحزم» لاعتبارات عدة، لاسيما في ظل القوانين الدولية، وكذلك لحسابات جيوسياسية.
ما أريد قوله إن «عاصفة الحزم» بدأت مشروعاً أمنياً لحماية بوابة مهمة جداً من بوابات الخليج العربي، وعصب حساس فيه، على مقاييس استراتيجية عدة، ولكن ماذا بعد هذه الخطوة؟ ماذا بعد أن تحقق «عاصفة الحزم» أهدافها وتتم استعادة اليمن وإسعاده من جديد؟
«جيوبوليتيك الخليج»..
طهران مازالت ناقمة على العرب جراء الفتح الإسلامي لفارس، ومازالت تعمل على أن يدفع العرب ثمن صنيعهم، وقد جددت جراحها اليوم وأغرقت في خيبة لا متناهية، دمرت ما تبقى فيها من عزيمة وطموح كانت تلملمهم من بقايا إرثها الفارسي «الجميل»، لكي لا تكشف عن عمق الجرح، وتواري سوءاتها.
إن العودة الخليجية-العربية إلى الخلف وكتف الأيدي مجدداً، ستقود لعواقب وخيمة، وأن الخليج العربي تحديداً وقد بدأ يبرهن نفوذه وقوته من جديد على الأرض، لابد أن يستأنف المسير ويتسيد المنطقة من جديد. لطالما كانت هناك سياسة إيرانية خارجية واضحة إزاء الخليج العربي، ولكن ما عساها تكون سياسة الخليج الموحدة الخارجية تجاه إيران؟! بل لنقل جدلاً.. ما عساها تكون سياسات دول الخليج فرادى تجاه إيران؟! النتيجة -كما أرى- تكاد تكون صفرية إذا ما تحدثنا عن سياسات حقيقية واستراتيجيات مستقبلية.
لا يخفى أن مشروع «جيوبوليتيك الشيعة» الذي يفضي إلى تكوين «أمة شيعية» تتزعمها طهران؛ لتكون «الجمهورية الإسلامية» المرجعية السياسية للشيعة في العالم، لذلك علينا لزاماً العمل بشكل مضاد لهذا المشروع بانطلاقة مشروعنا الخاص «جيوبوليتيك الخليج»، يعمل على استعادة الولاءات المواطنية في الداخل الخليجي، والتي انصرفت لطهران في وقت سابق لاسيما مع قيام «الثورة الإسلامية» الإيرانية، يتطلب مشروع كهذا أن يكون طموحاً بما يكفي ليمد أذرعه في أكثر من اتجاه في آن واحد، والعمل على إعادة خلق المراجع الدينية الشيعية العربية، بل والخليجية، في استقلال تام عن إيران وحوزاتها ومراجعها.
الجانـــب الآخــــر أن طهـــــران أهملــــت «المسلمين السنة»، وكذلك العرب، على مدى تاريخها «الشيعي» الطويل، بل وأذاقتهم الأمرين، ولا يختلف الأمر مع الأقليات الأخرى غير المسلمة مثل الآشوريين والصابئة، والأرمن واليهود، والزرادشتية، وأن جل ما ادعى «روحاني» إصلاحه في قضية حقوق الأقليات، أن عمل وبأسلوب غير مباشر على «فصل الأقليات الدينية غير المسلمة عن الأقليات المسلمة» لاستشعاره خطر اتحادهم، وهنا يأتي دور العرب والخليجيين، في دعم الحركات الانفصالية الإيرانية، مثلما فعلت إيران في الداخل الخليجي والعربي.
اختلاج النبض..
لطالما كانت المقولة السائدة «العصبية العربية والطموح الإيراني» رغم أن إيران لا تخلو من عصبية «مقيتة»، والعرب لا يخلون من طموح، ولكنه الجهد المثابر والعمل المنظم والنفس الطويل، العناصر التي يفتقدها العرب وتفوق فيها الإيرانيون، ومتى ما تمكنا من اكتساب تلك العناصر، حتماً سيكون الطموح والعمل والمجد لنا.. وستكون للخليج يوماً الصدارة من جديد، قلب الوطن العربي النابض، إن لم يكن قلب الشرق الأوسط «الجديد».