العقليات الهشة عادة ما تتذمر من كل شيء؛ من ارتفاع حرارة الجو في شهر أغسطس، انخفاض درجة البرودة في شهر يناير، تتذمر من تساقط الثلوج التي لا تأتي إلا كل ألف سنة، وتشتم الجو المملوء بالغبار، تشكو من زحمة الشوارع.
هؤلاء يتصورون أن العالم يسير حسبما يريدون، ولا يعرفون أن هناك ثمة قوانين كونية وطبيعية لا يمكن أن تسير حسب متطلباتنا، وحسب رغباتنا الشخصية.
قبل أسبوع أرسل لي ابن أختي إبراهيم بوسيف حكاية جميلة تحت عنوان «خبز محمص محروق قليلاً لا يجوز أن يكسر قلباً جميلاً»، ولأنها تستحق أن تقرأ جيداً، لأن فيها نظرة متفائلة ‘لى طبيعة الحياة التي نعيشها، أحببت أن أتشارك فيها مع الأحبة في كل مكان، تقول ناقلة الحكاية الجميلة..
بعد يوم طويل وشاق من العمل وضعت أمي الطعام أمام أبي على الطاولة وكان معه خبز محمص، لكن الخبز كان محروقاً تماماً، فمد أبي يده إلى قطعة الخبز وابتسم لوالدتي وسألني كيف كان يومي في المدرسة، لا أتذكر بماذا أجبته، لكنني أتذكر أني رأيته يدهن قطعة الخبز بالزبدة والمربى ويأكلها كلها.
عندما نهضت عن طاولة الطعام سمعت أمي تعتذر لأبي عن حرقها للخبز وهي تحمصه، ولن أنسى رد أبي على اعتذار أمي حبيبتي: لا تكترثي بذلك، أنا أحب أحياناً أن آكل الخبز محمصاً زيادة عن اللزوم وأن يكون به طعم الاحتراق.
في وقت لاحق من تلك الليلة عندما ذهبت لأقبل والدي قبلة «تصبح على خير» سألته إن كان حقاً يحب أن يتناول الخبز أحياناً محمصاً إلى درجة الاحتراق؟ فضمني إلى صدره وقال لي هذه الكلمات التي تحتاج إلى تأمل: يا بنيتي أمك اليوم كان لديها عمل شاق وقد أصابها التعب والإرهاق.
وشيء آخر؛ إن قطعة من الخبز المحمص زيادة عن اللزوم أو حتى محترقة لن تضر حتى الموت، الحياة مليئة بالأشياء الناقصة، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه.
علينا أن نتعلم كيف نقبل النقص في بعض الأمور، وأن نتقبل عيوب الآخرين، وهذا من أهم الأمور في بناء العلاقات وجعلها قوية مستديمة.
خبز محمص محروق قليلاً لا يجب أن يكسر قلباً جميلاً..
فليعذر الناس بعضهم بعضاً؛ وليتغافل كل منا ما استطاع عن الآخر ولنترفع عن سفاسف الأمور، يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: «تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل»، ويقول الحسن البصري -رحمه الله-: «ما زال التغافل من فعل الكرام».
من هنا لا يجب أن يكون لدينا رد على كل إنسان نختلف معه في الموقف أو الرأي أو السلوك، فالصمت في الكثير من الأحيان أفضل، فالأم التي تقف ضد بناتها في كل شاردة وواردة هي التي تصاب بأمراض العالم، وتحاول الإصلاح بالنقد اليومي المستمر الذي يجعل من الفتاة فاقدة لشخصيتها، لأنها تتصور أن كل ما تقوم به خطأ أو أن هناك عيوناً تراقب كل تحركاتها.
وقد شاهدت بعيني الكثير من ربات البيوت اللواتي يذقن الشغالات الويل والسب والإهانة وخصم الراتب، بسبب أن الشغالة قد كسرت كأساً أو صحناً من الصحون.
وأنا أفترض ماذا يحدث لو كسرت ربة منزل هذا الكأس أو الصحن، هل ستلعن نفسها وتلعن اليوم الذي ولدت فيه لأن الكأس انكسر.
أتذكر ونحن صغار أنه إذا ما انكسر شيء ما في البيت تقول أمهاتنا «دفعة بلا».
إذا سمعت كلاماً لا يعجبك تغاض عنه.. إذا رأيت سلوكاً لا يعجبك تغافل عنه.. إذا رأيت شيئاً لا تحبه اعمل نفسك كأنك لم تره.