كلما تصورت أنني تشبعت من الحديث عن التسامح؛ أراني مجبراً على العودة للحديث عنه، لأنني أرى يومياً أن أغلبنا يعيش حالة من حالات عدم الرضا من تصرف الآخرين معه وإيذائه نفسياً، وبالتالي التأثير على أعضاء جسمه، فيشعر بالضعف والوهن جسدياً، رغم أنه يسامح من أساء بحقه يومياً، ولكن كل هذه المسامحة لا تكفي.
إن الخوف من ترك الآخرين لنا نتيجة لإحدى ردات الفعل والغضب من عدم الاهتمام، يثير داخلنا الحنق، فنخطأ مرة بعد مرة، وهذا يساهم في شل حركتنا الذاهبة لتحقيق ذواتنا بين ذوات الآخرين.
في تصوري أن عدم جدوى ما نقوم به في مسامحة الآخرين يعود إلى الطريقة الخاطئة التي نقوم بها ونتصورها ناجحة، وهي ليست كذلك، ودائماً ما أرى أنه لا يمكن أن تبدأ فعالية مسامحة الآخرين إلا عندما تنطلق من الذات، والتي أعتبرها هي الأساس لكل ما يحمله الإنسان من معنى في الفترة التي أعطيت له في هذه الحياة.
وهناك من يرى أن عدم مسامحة الذات هو حجر عثرة يمنعنا من مسامحة الآخرين، حيث يرتفع الشعور بالذنب الذي نحمله جراء فعل أو سلوك خطايا شخصية وخطايا تجاه الآخرين، أو تصرف قمنا به في يوم من أيام هذا العالم، أو بسبب مفهومنا عن الذنب والعقاب والذي ينشأ بسبب نوع التربية البيتية والقيم التي نشأنا عليها.
فيكون التسامح أسهل للأشخاص الذين يشعرون بالأمان النفسي أو بالثقة بالنفس، عن الأشخاص فاقدي الأمان الداخلي، للأشخاص الإيجابيين الذين يقبلون أنفسهم يسامحون الآخرين بصورة أسهل نسبياً. ربما بسبب أنهم أفضل من الآخرين في فصل الغضب عن اللوم، فإنهم يحملون الطرف الآخر مسؤولية خطئه، لكن بدون الانقياد بشعور الغضب والعداوة تجاهه، وهذا التصرف يكون صعباً على الشخص الذي يواجه صعوبة في قبول نفسه لأنه لا يستطيع قبول الآخر على أية حال.
في مقال جميل في الإنترنت يقول صاحب المقال؛ المسامحة طريقك إلى تحرر النفس، غير حياتك إلى الأفضل، المسامحة طريقك إلى تحرر النفس، هل يمكننا المسامحة على كل شيء؟ هل يجب مسامحة الجميع؟ هل المسامحة أمر إلزامي لتخطي عقبة الماضي والتصالح معه؟ أَوليست مسامحة الذات أحد أهم أشكال المسامحة كونها بمثابة إعادة تأهيل نفسية؟ كيف يمكن التوصل إلى المسامحة والحرية؟ كيف يمكن الاستفادة من الأذى للوصول إلى مرحلة النضج؟
أسئلة نطرحها على أنفسنا في مرحلة ما من حياتنا، لأن الحقد يسيء إلى الفرد أكثر مما يفيده، نعتبر المسامحة غالباً هدفاً بحد ذاته، ماذا لو احتجنا إلى طي صفحة الماضي للتمكن من التحرر نهائياً، أو تحمل الجراح النفسية بدل انتظار مداواتها بشكل كامل؟
أجرى علماء النفس أبحاثاً مكثفة طوال سنوات لتحديد أهم الخطوات التي تساهم في عقد سلام داخلي مع الماضي الأليم، ولابد من اتباع مسار متجدد لقبول الذات بغض النظر عن عمق الجرح الذي نعاني منه، ذلك بالاعتماد على الذات وعلى أشخاص نثق بهم.
في الواقع، حين نرتكب عملاً سيئاً، فنحن بذلك نؤذي أنفسنا في المقام الأول، بالتالي نتحمل المسؤولية الكاملة لذلك العمل. وفقاً لمفهوم العلاقة السببية، يؤدي كل عمل خاطئ إلى وضع كارثي معين من خلال إعطاء الآخر مجالاً للتحرر من تأثير ذلك السوء، نتحرر نحن أيضاً من أثره.
لا يمكن أن تكون أنت أنت إذا بقت آثار الماضي والظروف السيئة التي عشتها ونظرات وأفكار الآخرين عنك، تسيطر عليك وتقذف بك في أتون الواقع اليومي.
لا يمكن أن تشعر بنعمة الحرية إن لم تتحرر مما تظنه أخطاء ارتكبتها في حق نفسك وحق من حولك.
قل دائماً إنني أحب نفسي كما أنا وأتقبل نفسي كما أنا لكي تعيش مرتاح البال والقلب والضمير، سامح نفسك أولاً على أخطائك والتي تعني مسامحتك لماضيك، وسامح الآخرين الذين أساؤوا إليك.