بودي لو يتكرم أي مسؤول في الحكومة ويقول لنا: هل يجوز للحكومة، أي حكومة أن تصبح مستثمراً مثل باقي المستثمرين من شركات وبنوك وأفراد، وأن تدخل في منافسة مع القطاع الخاص في تملك الشركات والمتاجرة بالأسهم وبيع وشراء العقارات والاستحواذ على شركات الاتصالات، وهل يجوز للمسؤولين الحكوميين كأفراد أن يفعلوا الشيء ذاته ويتملكوا ويستثمروا ويدخلوا في شراكات مع آخرين من الداخل والخارج؟
وبودي كذلك لو يتكرم النائب محمد الأحمد أو غيره من السادة النواب ويسأل وزير المالية أو وزير المواصلات لماذا أسست الحكومة شركتي ممتلكات وإدامة، ألم يكن ذلك ضمن حزمة الإصلاحات التي اتخذها مجلس التنمية الاقتصادية عام 2006 بهدف القضاء على التسيب وإهدار المال العام والفساد في الشركات التي وضعت تحت عباءة ممتلكات وأوكل إدارتها لشخص من القطاع الخاص، وفعل الشيء ذاته مع أملاك الدولة التي تم تجميعها تحت عباءة إدامة، لكن الإصلاحات سرعان ما تبخرت والإدارات سرعان ما تغيرت وعادت إلى عهدها قبل التوحيد، تماماً كما تعود حليمة إلى عادتها القديمة!
فشركتا ممتلكات وإدامة وما في داخلهما هما نموذج للحكومة التي بيدها جميع الإيرادات العامة والمصروفات التي تحدد هي حجمها ومجالات صرفها وأولوياتها، وبعد ذلك تفشل إدارتها وتحقق ميزانياتها عجوزات سرعان ما تتحول إلى ديون عامة تتراكم وتسدد بالمزيد من الاقتراض، ألم يقل وزير المواصلات للنائب الأحمد ولمجلس النواب: إذا لم توافقوا على اقتراض ممتلكات فستقوم الحكومة بالاقتراض بالنيابة عنها..!
منطق صحيح بالنسبة للبحرين، لكنه لا يحدث في الدول الأخرى التي لا يسمح للحكومة بتملك مقدرات الاقتصاد ولا حتى إدارته، القطاع الخاص يفعل ذلك، والحكومة ترسم السياسات وتشرف على تنفيذها بالتعاون والتفاهم مع القطاع الخاص، الحكومة معنية بإقامة البنية التحتية والعمل على تطويرها تسهيلاً للاستثمارات التي يقوم بها القطاع الخاص وحده، القطاع الخاص هو الذي يعمل والحكومة تمول الميزانية العامة من الضرائب والرسوم، أما الخلطة التي نراها في البحرين فلا تبيض إلا ميزانية عجوزات مفتعلة وديناً عاماً لا حدود له.