لن تتحرك وزارة صحة ولا تجارة، ولن تهتم هيئة بيئة ولا شخصيات دينية ولا سياسية في قضية تعاطي الشيشة التي باتت ظاهرة منتشرة عمت مناطق البحرين السكنية والتجارية، هذه الظاهرة التي ستقضي على حياة أجيال، حين تخرج بصحة معلولة، لا قدرة لديها في نفس طويل ولا جسم سليم، أجيال مدمنة ليس على السيجارة فقط بل على معسل تفاح، وغداً معسل رويد وجرجير، في ظل زيادة نهم المستثمرين الذين ليس لديهم ذمة ولا ضمير، ولا يفرقون بين رزق حلال وحرام، وفي ظل غفلة المؤسسات ذات العلاقة، وانعدام الثقافة الصحية لدى المواطنين، وكل ذلك بسبب أن وزارة الصحة غيبت قسم التثقيف الصحي فلا نراه في برنامج تلفزيوني ولا إذاعي، كما لم يتحرك مجلس النواب الحاضر ولا السابق من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، وإن كنا اليوم نسمع عن أخبار بأن الدولة تتجه لتحديد مواعيد لتعاطي الشيشة للساعة الثانية عشرة ليلاً في المقاهي وسط المناطق السكنية، والساعة الواحدة في المقاهي على الشوارع العامة.
نقول لهم «صباح الخير»؛ فقد سبقتكم سلطنة عمان، حيث أقر قانون حظر الشيشة في جميع المناطق والمقاهي، وكذلك سنغافورة تحظر تدخين «الشيشة» وتكون عقوبة من يتعاطى الشيشة السجن 6 شهور وغرامة 10 آلاف دولار، أو كليهما، وتصل العقوبة في حالة التكرار إلى غرامة 20 ألف دولار، وسجن 12 شهراً، أو كليهما، وكذلك هي باكستان منعت الشيشة.
إذاً تحديد مواعيد تعاطي الشيشة ليس إنجازاً ولا إعجازاً، بل الإنجاز هو منع الخطر من هذه الظاهرة الخبيثة المستوردة، التي ليس لها أصل ولا عادة بين العرب حتى الزمن القريب، حيث كان تعاطي الشيشة مقتصراً على «إيران» وكان يسمى «الكدو»، وكانت عادة مستنكرة عند العرب، إلا أن العادات الأصيلة تبدلت بعادات دخيلة، وأصبح العرب على طريقة الآخرين، بعد أن سمحت الدولة بمزاولة هذا النشاط، ظناً منها أنها عامل محفز على السياحة. وإذا كان القصد بأنها قد تعطي البحرين لوناً سياحياً جذاباً، فهذا دليل على أن المؤسسة السياحية لا تستطيع تسويق نفسها كما تفعل الدول السياحية الأخرى التي تجذب السياح بالهواء العليل الخالي من التلوث.
وها هو المؤتمر الدولي الذي انعقد في الدوحة لأبحاث تدخين الشيشة، التي وصف فيها المشاركون في المؤتمر تدخين «الشيشة» بأنه قنبلة موقوتة تهدد الأجيال الحالية والمقبلة وتنذر بوفاة مبكرة خاصة في صفوف الأطفال والشباب، وقد كانت نتيجة الدراسة الدولية التي أجريت بقطر أن نسبة تدخين الشيشة في صفوف الأطفال من 13 إلى 15 سنة تمثل أضعاف مثيلتها لدى النساء والرجال البالغين، جراء تسببها بأمراض القلب والضغط والسكر، وسرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي والسل وغيرها من أمراض الدم، كما أن أضرار تعاطي الشيشة الواحدة تعادل تعاطي 50 سيجارة، وأن نسبة التلوث بمقاهي الشيشة تبلغ 60% نسبة إلى تلوث نظيرتها العادية.
الشيشة ليست مرضاً معدياً يمكن الحد من انتشاره بالتطعيمات أو القضاء عليه بالمضادات الحيوية، بل هي إدمان فتاك يفتك بالأولاد والأموال، وها نحن نسمع عن أمراض غريبة وعديدة لم نسمع بها من قبل، وكلها جراء التلوث، فهناك تلوث جوي خارج عن الإرادة يخرج من فوهات المصانع ومحطات الكهرباء وعوادم السيارات، وتلوث آخر مباشر يدخل إلى جوف الإنسان وينتشر في قلبه ورئتية وبين شرايينه وأحشائه، وهذا التلوث بيد الدولة يمكن أن تمنعه في الوقت والحال.
لذلك نتمنى من وزارة الصحة أن تسارع في التحرك من أجل منع تعاطي الشيشة، وهذا من صميم مسؤوليتها، ولكن نقول بأن خيبة الأمل نستشعر بها مقدماً، فلا حياة لمن تنادي، وذلك عندما تضع وزارة الصحة في حساباتها المؤسسة السياحية التي قد لا يروق لها منع الشيشة التي قد يضر منعها بالسياحة، أو قد تتجنب هجوم أصحاب المقاهي، الذين قد يستغلون نفوذهم بالتصدي لقانون يمنع الشيشة.
وهذا هو جواب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله في حكم شرب الدخان وكذلك الشيشة: «الدخان محرم بكافة أنواعه لكونه خبيثاً ومشتملاً على أضرار كثيرة، والدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا التجارة فيه كالخمر، والواجب على من كان يشربه أو يتجر فيه المبادرة بالتوبة والإنابة إلى الله سبحانه والندم على ما مضى والعزم على ألا يعود إلى ذلك».