قبل أذان الفجر كنا نتكلم معها، صوتها المملوء بغصة الحزن والأسى كان فاجعة بحد ذاته، غير أن تفاصيل ما أخبرتنا به كان يمثل فاجعة أكبر.
«هربت ابنتي من المنزل منذ فترة، كنا بالصدفة قد عرجنا على عملها فاكتشفنا أنها غير موجودة، وقد أخبرونا بأنها في إجازة لمدة أسبوع رغم أنها كانت تخرج من المنزل صباحاً زاعمة أنها متجهة إلى العمل، اكتشفنا من خلال هاتفها أنها تخرج للقاء «بوية» خليجية تزور البحرين، نهرها إخوتها وحاولنا ضبط الموضوع، غير أنها تركت المنزل بعد أن حولت لها «البوية» الخليجية مبلغ ألف دينار حتى تستأجر شقة وسيارة وتدبر أمورها بعيداً عنا».
وتضيف الأم؛ «قدمنا بلاغاً عند الشرطة، فتم استدعاؤها، غير أنه لم يكن من الممكن إجبارها على العودة إلى المنزل، حيث أخبرونا أن القانون البحريني يجيز لمن يبلغ 21 سنة حرية التصرف بحياته واختيار المكان الذي يود العيش به، اتجهنا لسفارة هذه «البوية» وخاطبنا المسؤولين هناك ونحن نقدم لهم أدلة على تحويلاتها المالية واتصالاتها بابنتي علهم يساعدوننا، وهنا كانت المفاجأة؛ حيث أبدوا استغرابهم من القانون البحريني الذي يتيح للبنت عندما تتجاوز عمر 21 سنة أن تفعل ما تريد ولا يمكن لعائلتها إجبارها على المكوث في المنزل».
تتساءل المواطنة بألم: «كيف يوضع قانون مثل هذا؟ كيف أتعب ويمضي عمري وأنا أربي ابنتي وأصرف عليها، وعندما تكبر تؤخذ مني بدعوى القانون وهي غير متزنة التصرفات وتحتاج لمن يوجهها ويرشدها؟ نحن في دولة إسلامية ولسنا في أمريكا أو أوروبا حتى عندما تبلغ بناتنا عمر 21 نودعهن ليتجهن إلى أصدقائهم الشباب بدلاً من أن نوصلهن إلى بيوت أزواجهم، هذا القانون الذي وضع لا يستوي مع تعاليم ديننا الحنيف، وللأسف لم يعد بيدي أية حيلة، فقد ضاعت مني ابنتي وهي تقيم حالياً في شقة مع «بويات»، وقد نصحوني أن أدعي بأن ابنتي مجنونة حتى تعاد إلى المنزل».
لم تكن هذه القصة هي الأولى من نوعها التي تمر علينا، فشخصياً قبل عدة أشهر وصلتنا قصة سيدة توجهت إلى مدرسة ابنتها تبكي بعد أن اختفت من المنزل لتكتشف أنها هربت مع شباب خليجيين، هناك قصة أخرى أيضاً عن فتاة هربت مع مجموعة فتيات ليعشن في شقة ويقابلن أصدقاءهن الشباب، وعندما تقدم أهلها بشكوى لدى الشرطة أخبروهم بأنه ليس لديهم حق أو صلاحية لإعادتها إلى المنزل.
مثل هذه القصص لا تظهر للضوء، وقد يتكتم أولياء الأمور عليها لأنها تحمل إحراجاً مجتمعياً وتهز صورتهم وسمعتهم، ولأنها خارج دائرة الضوء فقد تكاثرت مثل هذه القصص في الآونة الأخيرة، حيث وجدت مثل هذه الفتيات فرصة للاستقواء بالقانون مقابل صمت الأهالي وعدم القدرة على التكلم وفضح ممارساتهن أو حتى البحث عن حلول بشكل علني، إحدى الفتيات اللواتي حجزن في مركز الشرطة لإعادتها إلى المنزل تم إبلاغ ولي أمرها أنهم لا يستطيعون إجبارها وفق القانون، وكانت طيلة فترة تواجدها بالمركز، ورغم محاولات رجال الشرطة مخاطبتها بشكل ودي، على اتصال دائم بمحام يلقنها القانون لدعم موقفها، وأنه ليس لأهلها الحق في حياتها، وقد اختفت بعدها حيث دبروا لها أشخاصاً تتواصل معهم.
فتاة أخرى عندما بلغت عمر الـ21 تركت منزل أهلها وانخرطت في أعمال الدعارة مع إحدى السيدات المعروفات بتجارة البشر، حيث تقوم بتأجير شقق في عدد من الدول الخليجية وإرسال الفتيات لممارسة الرذيلة، على أن تكون لها نسبة من المبلغ الذي يحصلن عليه، وأصبحت هذه الفتاة المندوبة الجديدة لها حيث تعرج على المدارس والجامعات لاصطياد الفتيات وجرهن إلى هذا العالم وتنبيههن بهذا القانون الذي يفتح لهن عوالم «الحرية» على مصراعية.
يؤسفنا أن يحصل أولياء الأمور على صفعة الواقع وبأنهم مضطرون لتحمل تصرفات ابنتهم الطائشة طيلة العمر وتجرع معاناة الإحراج والخجل المجتمعي بسبب قانون لم يراع الأبعاد المجتمعية في البحرين، كما لم يراع سلسلة المشاكل والأزمات النفسية التي سيتجرعها الأهالي عندما تنشد بناتهم التحرر والانفلات والقيام بممارسات خاطئة ومنحرفة استناداً لقانون يكفل لهم حريتهم العوجاء، أسقط هذا القانون الحرية المسؤولة ودعم الحرية الهدامة التي تفكك المجتمع، حيث لا يمكن القبول بقوانين مقتبسة من الغرب وتتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي يقوم عليها دستور مملكة البحرين، ولا ندري إن كان هناك قانوني شاطر بحيث يؤكد لنا أن هذا القانون بالفعل يتعارض ويتناقض مع ما جاء في دستور البحرين ويعزز السلوكيات الخاطئة لإيقاف هذا السيناريو الذي أخذ للأسف يتكرر كثيراً، وهناك حاجة ماسة لدراسة هذه الظاهرة من قبل أعضاء مجلسي النواب والشورى وإصدار تشريعات تضبطها حتى لا تتفاقم وتتكاثر بالمجتمع أكثر.
لا يمكن القبول باستغلال هذا القانون للتشجيع على الممارسات المنحرفة التي تهدم استقرار المجتمع، فالعقول ليست سواسية حتى يتيح القانون لمن يبلغ 21 سنة حرية التصرف بحياته المرتبطة بمصير أفراد عائلته، وليس من العدالة أن يقوم شخص محسوب على عائلة بسلوكيات خاطئة يدفع ثمنها أهله، فكما المواطن يمثل وطنه بالخارج ويعد مسؤولاً عن أي تصرفات ترجع على وطنه بالسوء، كذلك هناك تصرفات ومواقف ترجع بالسوء على أهله ولابد من إيجاد نص قانوني يلزم أمثال هؤلاء عند اختيار مسار حياة مخالف لحياة عائلاتهم بإيجاد ضوابط قانونية تبعد عن أهلهم مسؤولية تصرفاتهم على الأقل؛ إن لم تكن هناك نية جادة بمعالجة المسألة من جذورها واستبدال القانون الحالي.