حين تركت دول الخليج سياسة التغيير الناعم، أو ما يسمى كمصطلح سياسي بـ (التغيير السلس المرحلي، أو أننا لم نمارسها أصلاً) أو تخلينا عن سياسة تغذية الفروع داخل الدولة التي تناصبنا العداء كما تفعل هي في أوطاننا.. حين تركنا ذلك احتجنا في العام 2015 إلى أن نصحح هذا الخطأ بالقوة العسكرية، وإلا فإن خلايا إيران ستحتل الأوطان.
ليس هذا فحسب؛ بل إننا كدول الخليج نعلم أن الدولة الصفوية الطائفية الفارسية تقوم بزرع الألغام في كل دول الخليج واليمن ولبنان، ثم ذهبت إلى مصر والسودان، حتى وصلت المغرب. كنا نعلم أن الدولة الصفوية تفعل كل ذلك، لكننا بقينا نتفرج دون أن نواجه هذه السياسة بقوة وحزم، ودون أن نخصص الأموال لممارسة ذات الفعل في الداخل الإيراني.
كانت النتيجة أن الدولة الصفوية زرعت حزب الشيطان في لبنان، وزرعت ودربت ومولت المتطرفين بالبحرين إلى أن جاءت ساعة الانقلاب في 2011 (وقد حدثت انقلابات متتالية بالبحرين قبل ذلك، لكن الله لطف وستر)، وتزرع الألغام في الكويت، وفي شرق السعودية، كل ذلك كان أمام أعيننا.
كل هذه السياسات التي عملت عليها الدولة الصفوية لسنوات طويلة بشكل ممنهج ومدروس أدت إلى ظهور الانقلابيين في البحرين، وإلى ظهور الحوثيين في شمال اليمن، وتم خلق بؤر جاهزة للعمل على زعزعة الأمن.
وأخذت هذه البؤر تكبر حتى وصل الأمر بالحوثيين إلى الانقلاب على الحكم بمساعدة الخائن علي عبدالله صالح والجيش، وأدت إلى ظهور الجمعية الانقلابية بالبحرين ومشروعها الانقلابي في 2011، بعد تدريب مزدوج، إيراني أمريكي، وهذا مستمر حتى اليوم.
وبالتالي احتجنا بالبحرين إلى دحر الانقلاب بالقوة، وكان لذلك ثمن باهظ، وكذلك حدث في اليمن، تم السكوت عن زرع الحوثيين حتى احتجنا إلى التدخل بالقوة لوقف انقلابهم على الشرعية، وهو ذات سيناريو البحرين تماماً، غير أنهم في البحرين لم يتمكنوا من الجيش، ولو كان لهم ذلك لاكتملت دائرة الانقلاب.
تخلينا عن السياسة الناعمة التي تنمو وتكبر شيئاً فشيئاً دون أن يشعر بها أحد، لم نقم بدعم الحركات المضطهدة داخل الدولة الراعية للإرهاب، وسكتنا عن كل أشجار (الزقوم) التي زرعتها إيران في دولنا، حتى وصل بنا الحال إلى أن احتجنا لوقف تدحرج الانقلابات بالقوة العسكرية، ولهذا كلفة باهظة الثمن جداً، وفاتورة عالية جداً.
في البحرين واليمن والكويت ولبنان والعراق، كنا نشاهد أشجار الزقوم تنبت صغيرة، وتزرع في أكثر من مكان داخل الدولة الواحدة، لكننا كنا نقول في ذلك الوقت: «هذه أشجار صغيرة ماذا عساها أن تفعل».. وربما هذا المشهد كان أمامنا بالبحرين بشكل أكثر وضوحاً وجلاءً، والدولة تتحمل المسؤولية الكبيرة في ترك أشجار جهنم تكبر وتنمو وتتمدد، وتستولي على بناء الدولة من أسفل إلى أعلى بشكل متدرج.
حتى كبرت أشجار الزقوم (وهي شجرة تنبت في قعر جهنم، أجارنا الله وكل الموحدين من نار جهنم)، وصارت أكبر مما يحتمل، ثم أرادت هذه الأشجار أن تستحوذ على كل المنطقة حولها، وتقتلع بقية الأشجار المثمرة، أو أن تقطع عنها الماء.
الدولة الصفوية الطائفية هشة وضعيفة من الداخل، لكنها تحاول استغلال الإعلام لتضخيم قوتها العسكرية كجزء من مشروع (الإرهاب بالإعلام)، لكن صورة الدولة الصفوية بدأت تظهر على حقيقتها مع بداية عاصفة الحزم، فأكثر ما فعلوه كانت التصريحات واستجداء تركيا وعمان والكويت من أجل التدخل لإيقاف عملية عاصفة الحزم.
أتعرفون ما فعلت عاصفة الحزم منذ بدايتها؟
خلال العام 2014 وصل التمدد الصفوي الفارسي إلى ذروة سنامه، وأصبحوا يتبجحون بأنهم يحتلون 4 عواصم عربية، لكن الذي يشاهد الصورة اليوم يدرك أن الدولة الصفوية بدأت بالانحدار إلى أسفل مع بداية 2015، ومع انطلاق «عاصفة الحزم» وبإذن الواحد الأحد حين تحرر اليمن من أنجاس الصفوية ستنحدر أكثر نحو الهاوية.
كما أن الاتفاق النووي مع الغرب يشبه (شفرة الحلاقة) التي بلعتها إيران، فقد ذهبت للمفاوضات صاغرة بعد أن كانت تقول:» لن نخضع للغرب ولن نجعلهم يدخلون ليفتشوا بلادنا»، وخرجت من لوزان بوهم الانتصار، حتى تدارك ذلك مرشدهم وقال: «إن الاتفاق لن يوقع ما لم ترفع العقوبات مباشرة»، وهي بداية الخلاف، وربما انهيار الاتفاق.
2015 بداية الانهيار والتراجع والتقوقع، هي اليوم تسدد كلفة باهظة في العراق، وتستنزف طاقتها هناك حتى مع التحالف الأمريكي الصفوي في الحرب على ما يسمى بالإرهاب، فلولا التدخل الأمريكي لما تقدم الحشد الشيعي شبراً واحداً.
في سوريا بدأ ميزان الأمور يميل لصالح المعارضة أكثر، وظهر ذلك بتحرير إدلب وبصرى الشام، والاستيلاء على المعابر الحدودية وكان آخرها مع الأردن، ستتحول الأمور خاصة إذا ما توحدت جهود السعودية وقطر وتركيا في هذا الشأن، فإن المعارضة ستتقدم أكثر شريطة تزويدها بمضادات للطائرات والدروع، عندها سينهار جيش بشار والحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الشيطان.
من يرى الأمور بصورة أكبر وأوسع من الوضع في اليمن، سيجد أن بداية الانحسار الصفوي والهزيمة الصفوية الكبرى على الأراضي العربية بدأت، ولن تتوقف.
نعم سنحتاج اليوم أو غداً أو بعد غد إلى «قادسية جديدة»، سنحتاج إلى فتح كما فعل عمر بن الخطاب، الذي فتح بلاد فارس، وفتح القدس الشريف، هذه هي أفعال رجل من رجال صحابة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتح أعظم فتحين على يد عمر بن الخطاب؛ فتح بلاد فارس وفتح القدس، من أجل ذلك يشتمون الفاروق، لأنه فتح بلاد فارس وكسر إيوان كسرى وإمبراطورية الفرس.
أكثر رجلين يمقتان في إيران هما عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي، الأول فتح القدس والثاني حرر القدس، فانظروا لماذا يمقت ويكره هؤلاء أعظم الرجال وأعظم الفتوحات؟
هناك مرتكزان هامان في هذا المقال؛ الأول: أننا تركنا سياسة التغيير الناعم داخل الدولة التي تناصبنا العداء، وتقوض أمننا، وبالمقابل تركناها هي تزرع أشجار جهنم في أوطاننا حتى كبرت وتمادت، ولم تكن لنا إرادة لنزعها أو تقليمها.
الثاني: هو أن العام 2015 سيشكل بإذن الله بداية الانحدار الصفوي، وبداية انحسار التمدد بإذن الله، فالانقلابيون في البحرين هزموا شر هزيمة (لكننا لم نتم الهزيمة بعد) والانتصار في اليمن بإذن الله قادم.
كما أن الانتصار في سوريا سيأتي اليوم أو غداً، وعندها ستقطع المياه الآسنة التي تغذي أشجار جهنم في جنوب لبنان، وسيصبح انتصار سوريا مزدوجاً؛ انتصار في دمشق وانتصار في بيروت، وما ذلك على الله بعزيز.
عندها تتبقى بوابة العروبة المحتلة العراق، ولكل حادث حديث، غير أن أهل العراق وقبائل العراق وعشائر العراق يمكن الاعتماد عليهم فهم رجال أشداء في الحق، تخشاهم الدولة الصفوية وتخشى توحدهم، لكننا تخلينا عنهم، وتركناهم في مواجهة الطوفان، وهذا خطأ استراتيجي مكلف، نتمنى أن يصحح عاجلاً وليس آجلاً.
أخطأنا (في الخليج) حين ساعدنا الأمريكان على احتلال العراق في 2003، وكانت النتيجة انهيار القوة المواجهة للصفوية، واختلال ميزان القوى الإقليمي، واليوم نسدد الفواتير، وأخطأنا كذلك حين تخلينا عن أهلنا في العراق من العشائر العربية كانت سنية أو شيعية، أو حتى من الأكراد، فتشابكت الخيوط، وتم ضرب كل مكون على حدة من أجل تقسيم العراق على أساس مذهبي عرقي.
الصورة التي أمامنا اليوم، صورة تبشر بالخير، رغم كل الذي مررنا به، والتمدد الإيراني الصفوي الطائفي في بلاد العرب، إما أن يتراجع وإما أن يحرق، هكذا يبدو المشهد..!