هناك تفاهمات خليجية واضحة على عدم إمكانية السماح بنفوذ إيراني مباشر في شبه الجزيرة العربية



عدة أسابيع مضت على عمليات عاصفة الحزم التي ينفذها تحالف عربي للحفاظ على الشرعية في اليمن، وهي أسابيع قليلة زمنياً ولكنها كثيرة في التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط والعالم، وهي تحولات بات من الصعب على المحللين متابعتها وتقديم رؤى وتصورات بشأنها بسبب وتيرتها المتسارعة.
في هذا السياق، سؤالنا هو؛ إلى أي مدى تشهد علاقات دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً جوهرياً بسبب التطورات الإقليمية؟
نبدأ بالعلاقات الإقليمية البينية لدول المنظومة الخليجية، فبعد أن عانت من الفتور والخلافات بسبب تباين المواقف في السياسات الخارجية عادت أكثر تماسكاً من جديد، ويمكن متابعة ذلك في حجم الزيارات المتبادلة والمتتالية بين القادة الخليجيين، وهي لم تكن بهذا الحجم والعدد والمستوى في أي وقت مضى من عمر مجلس التعاون الخليجي.
من الواضح أن هناك تفاهمات خليجية واضحة على عدم إمكانية السماح بنفوذ إيراني مباشر في شبه الجزيرة العربية، والمحاولات التي تمت سابقاً في البحرين والمنطقة الشرقية للسعودية وآخرها اليمن كلها باءت بالفشل. وبالتالي مهما كانت التحديات والمخاطر ومدد الاستنزاف لاجتثاث النفوذ الإيراني من المنطقة فإنها معركة مصيرية، ودول المجلس تدرك جيداً ماذا تعنيه سيطرة طهران على رقعة جغرافية في شبه الجزيرة العربية، وتجربة لبنان والعراق وسوريا مازالت حاضرة.
ننتقل إلى علاقات دول المنظومة الخليجية بالولايات المتحدة، حيث تحاول الأخيرة تطوير ما تسميه بالشراكة أو التحالف ولكنها تتجاهل مسألة مهمة تتعلق بفقدان الثقة، فالشراكة والتحالف لا يمكن أن يتم دون وجود الثقة وهي التي انتهت عندما تبدل موقف واشنطن تجاه «حلفائها» الخليجيين قبل خمس سنوات.
واشنطن بين المطرقة والسندان؛ فهي تحاول إحداث توازن صعب ومعقد في الخليج العربي، بين دول مجلس التعاون من جهة، وحليفها القديم الجديد المتمثل في إيران. وبالمقابل تسعى إلى تطمين دول المجلس بأن تفاهماتها الجديدة مع طهران لن تكون على حساب أمنها، وآخر هذه الخطوات تطمينات الرئيس الأمريكي أوباما الذي بادر فور الإعلان عن الاتفاق الإطار حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل إلى الاتصال بالقادة الخليجيين وبث رسائل التطمين والدعوة لقمة خليجية-أمريكية لم تعلن دول الخليج موقفها منها نهائياً حتى الآن.
العلاقات الخليجية-الأمريكية أمام مرحلة صعبة يمكن وصفها بعنق الزجاجة، فإما الخروج من هذا العنق أو الهبوط إلى قاع الزجاجة وهو وضع أكثر صعوبة سيتضح مساره خلال أسابيع على الأقل أو إلى نهاية العام على أكثر تقدير.
نأتي إلى موسكو التي شهدت علاقات دول الخليج معها تقارباً خلال السنوات الماضية ولكنها سرعان ما تراجعت نتيجة موقفها من الأزمة السورية، وعلاقاتها مع دمشق وطهران.
خلاف كبير ومواجهات علنية خليجية مع الدب الروسي بسبب تباين المواقف من الأوضاع في سوريا واليمن، كان آخرها تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على رسالة الرئيس الروسي التي وجهها للقادة العرب في قمتهم الأخيرة بشرم الشيخ.
مشكلة دول مجلس التعاون مع موسكو أن الأخيرة تعتمد على سياسة خارجية تضم ثوابت لا تتخلى فيها عن حلفائها وحتى القدامى منهم، وبالتالي كيف يمكن تحييد موسكو على الأقل من صراعات الشرق الأوسط، هذا هو التحدي الذي سيحكم العلاقات الخليجية-الروسية خلال الفترة المقبلة.
في ضوء هذه المعطيات التحليلية يمكن إدراك لماذا علاقات دول الخليج أمام مفترق طرق.