أنهيت مؤخراً قراءة أحد الكتب الزاخرة بحقائق ومعلومات وفلسفة وثقافة ونظريات محكمة، كتاب يمزج بين الإنسان والوطن والعروبة بشواهد قرآنية، وبتواضع شديد يطرح الكاتب، الدكتور محمد بوحجي، أساليب التفكير العربي بحقيقتها وبكل مصداقية، وقد نشر تجربته الحياتية وأسماها «تفكير يستحق الحياة»، وهو كتاب لمعرفة الذات والبحث عن المميز، كتاب يخاطب عقول وقلوب وأرواح من عشقوا التغيير في الميدان، فعلمتهم الحياة أنه يجب أن يجددوا أو يبحثوا عما يزيد من عطائهم، كتاب لأولئك الذين لا تستهويهم التبعية المطلقة.
يبدأ الكاتب بمفهوم التفكير وأنواعه، وقد تحدث عن التفكير المؤثر في رحلة تتميز بالتجرد، وهو ما تعلمه في سنوات الدراسات العليا، وهي التركيز والتجرد بتفكير إبداعي وبمصداقية وكفاءة عالية من التفكير وعدالة التجربة، لا لشيء إلا أنك تبحث عن الحقيقة، وما أجمل أن يكون هذا البحث لله ثم للوطن من ثم للعالم أجمع.
تدرج الكاتب لكثير من أدوار التفكير المؤثر، ومنها وأهمها إدارة مخاطر الأزمات، فالتفكير المؤثر يحرص دائماً إلى التجديد والجديد والخوض في المخاطر وإدارتها بطريقة جريئة ومحسوبة، فإدارة المخاطر تتطلب وبصورة مستمرة البحث عن البدائل لكل أمر، والاستعداد بجاهزية عالية لممارسة كل جديد، هذا النوع من التفكير يحتاج إلى بذل الجهد والوقت والأفكار والبدائل، ومحاولة تطوير الأفكار الجديدة والغربية، ولكنه يحتاج أيضاً إلى ثقة بالنفس مرتبطة بروح المبادرة والمبادلة في التعامل مع قلب جديد، فخوفنا الدائم من الفشل والنقد ظاهرة بين عموم العرب والمسلمين، فأصبحت عدم الثقة بالنفس هي الأساس، وأصبحت الحجة للكل بأننا بشر ضعفاء مقيدون من قبل الحكومات أو من أي جهة أخرى.
إدارة أزماتنا بحاجة لتصرف سريع وعقول نيرة تنقذ الكثير من المشاريع المعلقة؛ منها على سبيل المثال ما قامت به صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة بعمل حاضنات للمشاريع الصغيرة لنهضة المرأة البحرينية في مجال الاقتصاد، ومنها بناء صرح لدعم المرأة البحرينية تحت اسم «ريادات»، والذي كان من أهدافه تقديم الخدمات التدريبية والاستشارية لدعم المهارات والإبداعات لدى النساء من صاحبات المشاريع الصغيرة وتحسين كفاءة أداء العمل وتقليل نسبة المخاطر التي قد تواجه المرأة في السوق الحرة، وترويج ثقافة الريادة والإبداع والابتكار لدى المرأة وإظهار القدرات الإبداعية الكامنة وترجمتها إلى مشاريع إنتاجية متميزة، دعم ومساندة المؤسسات الريادية متناهية الصغر على مواجهة صعوبات التحول إلى مشاريع صغيرة أو متوسطة.
لكن الملاحظ أن هناك خللاً في إدارة المركز، لذلك فهو يحتاج إلى استراتيجية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأنه خالٍ قلباً وقالباً، عدا فئة معينة، مع أن هناك الكثر من السيدات البحرينيات المحتاجات بحاجة إلى فتح مشاريعهن الصغيرة ولايزلن على قوائم الانتظار، والكثير منهم يرين أن قيمة الإيجار التي تبلغ 400 دينار كبيرة جداً، وهنا نحتاج إلى التفكير بإدارة خلل وأزمة واضحة بالمركز.
ذات الأمر رأيناه في طيران الخليج أثناء موجة الغبار التي مرت بالبلاد الأسبوع الماضي، حيث تركت المسافرين بين حانا ومانا، في ظل عدم وجود إدارة لحل الأزمات، بعكس نظيراتها من شركات الطيران الأخرى، والتي قدمت لمسافريها كثيراً من التسهيلات.
من الواضح أننا اليوم أمام عقلية تشكل عدسة تعامل المواطن العربي مع الحياة، فهو ينتظر أن يتم تمهيد كل خطوة له في حياته دون أي محاولات منه أو معاناة لصنع وتحقيق تفكير قوي، للأسف فالمواطن نشأ على انتظار تقديم الخدمات والموارد له، وتعود على «ثقافة نمل»، وهي الأحرف الأولى من الكلمات الثلاثة «نقد» «مقارنات» «لوم».
أما التحلي بالمسؤولية؛ فقد وصل لمستوى التلقيم بالملعقة والتبعية، على عكس عقلية الشعوب المتقدمة، والتي نجدها اليوم تتمركز حول هدف تحقيق الإنجازات من خلال مبادرات مركزة ونتائج يعتمد عليها.