مع الاحتفالات بيوم اليتيم العالمي، الذي يصادف الجمعة الأولى من أبريل كل عام، يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى فكرة أن بعض الاحتفالات التي تقام هنا وهناك قد لا تراعي البعد النفسي لليتيم، وترسخ فكرة إحضار اليتيم أمام العالم وتذكيره بأنه يتيم وتقديم عدد من الهدايا له كأنها صدقة أو ما شابه والتقاط الصور معه، وكأن هناك إحساناً يتكرم به عليه وانتهى.
يبدو أن العالم اهتم بكفالة اليتيم يوماً واحداً فقط في السنة، فيما نحن المسلمين يحق لنا أن نفخر بديننا الذي أوجد حقوقاً شرعية للأيتام وأمرنا بكفالة اليتيم ودعمه معنوياً ومادياً دون تحديد مدة زمنية أو يوم محدد، وقد يكون في ذلك غاية وهدف سام لم يفطن له أحد.
يسقط الكثير من المهتمين بشرائح الأيتام العامل النفسي المهم للطفل اليتيم، وقد لا يولونه نفس الاهتمام مقارنة بدعمه المادي والاجتماعي، ونعتقد أن اليتيم في كثير من الدول قد تجاوز مسألة حفظ حقوقه المالية من خلال قوانين مؤسسات حكومية ووطنية تحفظ حقوقه وتصونها له، وكذلك الجانب الاجتماعي من خلال الأنشطة والبرامج التي يشارك بها، غير أنه تبقى المؤسسات والجهات التي توجد الدعم النفسي لليتيم وتهتم بدعمه.
إن سيكولوجية اليتيم تختلف بالطبع عن سيكولوجية أي طفل عادي، ونحن هنا نتحدث عن ثلاثة أنواع، فهناك يتيم قد يتوفى أبواه فيجد الدعم المعنوي والعاطفي من أقرباء يتخذون مكانة الأبوين في حياته ويتولون شؤونه بالكامل، وهذا اليتيم يختلف تماماً عن اليتيم الذي فقد أبويه أو أحدهما ولم يسد فراغهما ولم يتوافر بديل لهما يعوض مكانهما، وهذا اليتيم التعامل النفسي معه يختلف تماماً عن التعامل النفسي مع أي يتيم آخر، كما هناك اليتيم الأحادي يتيم الأم أو الأب بحيث يكون أحدهما موجوداً ويحاول تعويض مكان الآخر وسد فراغه، غير أن جملة المسؤوليات والأحمال الكثيرة التي تقع على كاهله قد تجعله متشتتاً ينشغل عن الاهتمام بالدعم النفسي لليتيم، وهنا اليتيم أيضاً يختلف تكوينه النفسي عن النوعين الآخرين.
لذا فما نحب أن نركز عليه هنا ونلفت النظر إليه، خاصة للمؤسسات القائمة على رعاية الأيتام والاهتمام بهم، لا يمكن أن يتعامل مع اليتيم بمكيال واحد فقط، إن كل نوع منهم يختلف تكوينه النفسي عن الآخر ويحتاج إلى دعم نفسي ومعنوي من نوع خاص، بل إنه يحتاج إلى تربية نفسية تغطي ما خسره وتوجد له العوض.
إن اليتيم مثل ثمرة صغيرة في شجرة قدر الزمن أن يقطف منها باكراً قبل أن يكتمل نموها وتنضج، وأصبحت في مواجهة واقع عليها تحمل مسؤولية الحياة كلها لوحدها والحفاظ عليها حتى لا تسرق هذه الثمرة أو تستغل أو تقطع أو يتم اللهو بها أو.. أو..، اليتيم بالطبع تختلف سيكولوجيته عن أي طفل آخر، قد لا يشعر بكل هذه المؤثرات والمتغيرات في عالمه كونه في جنه رعاية والديه، وحتى لو كان هناك إهمال في التربية يمارس على الطفل غير اليتيم فهو لن يعاني من أن شجرة أبويه مقطوعة، أي مهما كان لديه في هذه الدنيا «أم أو أب» فأخطر ما قد يواجه اليتيم الفراغ النفسي والتربوي وفكرة أن تفوقه الدراسي وإنجازاته العملية في الحياة لن يكون هناك شخص يشهدها ويثني عليها أو أقل القليل يتابعها.
لذا فاليتيم إما أن يكون انطوائياً بدرجة كبيرة ولا يشعر بالاندماج مع العالم كله أو أن يكون صديق الكل.
من الناحية النفسية أيضاً أن كلمة يتيم بحد ذاتها مؤلمة وصادمة، وكثير من الأيتام، خاصة الأطفال، قد يتعرضون في محيطهم الاجتماعي للاستماع لكلمات من نوع «أنت يتيم» أو «تركوه ذي إلا يتيم ما وراه أحد» أو «يتيم مو محصل أحد يربيه»، فحتى عن مستقبله هناك نظرة «يتيم ما وراه ولا جدامه شي»، وقد يحصل الطفل على يتمه مبكراً بحيث لا يفقه بعد معنى اليتم أصلاً ويجد من يسائله «هل حقاً أنت يتيم؟»، فيكبر ويكتشف بنفسه من خلال تعاطي الأيام معه معنى كلمة «يتيم» الحقيقي، وهي حقيقة صادمة قد تزعزع ثقته بنفسه، ومهما تكلم الباحثون والعلماء عن تكوينه النفسي واجتهدوا في تنظيره فاليتيم لن يفهم ما يمر به من متغيرات وظروف غير اليتيم نفسه.
اليتيم في كل مراحل حياته يعاني من شعور وكأنه يسير على حبل ذي خط رفيع، إن لم يتقن السير في حياته والتكيف قد يسقط في أي لحظة في عالم يقوده إلى الهلاك والانحراف والضياع، لذا فاليتيم سيلحظ أنه يختلف في كل شيء عن بقية الأطفال، حتى في المدرسة، إنه متيقظ دائماً ومنتبه لكل ما يحيط به وستجده في المدرسة إما أنه مهمل إن كان لا يوجد بحياته أي شخص يدعمه ويسانده أكاديمياً أو يواظب على المذاكرة والنجاح والتفوق، لأنه باختصار لا يوجد له خيار آخر في هذه الحياة غير أن يكون عصامياً ويبني نفسه بنفسه.
ولا يجدر بنا وسط غمرة احتفالات العالم بيوم اليتيم العالمي ألا نلتفت لديننا الحنيف الذي دعا إلى الاهتمام باليتيم، بل أوجد له مكانة خاصة حينما ذكره القرآن الكريم في 22 سورة، كما أن رسولنا الكريم الذي يعتبره كل مسلم قدوة له نشأ يتيماً لذا فهو أكبر قدوة مشرفة لكل يتيم، في كثير من السور القرآنية التي تذكر اليتيم نجدها تركز على التعامل النفسي مع اليتيم «وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى» و«وأما اليتيم فلا تقهر»، وفي ذلك حكمة تلفت النظر إلى أهمية التعامل معه والفطن إليه.
هناك مقولة عن اليتيم تقال «ليس اليتيم يتيم الأم والأب بل يتيم العلم والأدب» وكلمة منا إلى كل أيتام العالم؛ افخر دائماً بأنك يتيم فأعظم خلق الله رسولنا الكريم يتيم وخصك الله بميزة في عمرك الصغير لم يخص بها البقية حينما جعل الدنيا وأيامها تربيك وتعلمك وتكتشفها باكراً وتقوم سلوكياتك وتمنحك المسؤولية كي تكون مختلفاً ومميزاً عن البقية.
- إحساس عابر..
كوكو شانيل؛ رغم كل نجاحها وأعمالها الرائعة لم تتخلص من يتمها الذي حملته معها، وأطلقت على عطرها الأول الرقم الذي تحمله في دار الأيتام الذي تربت فيه، ويقال إن معجزتها لم تكن في ابتكارها العطور والأزياء بل في جعل يتمها عطوراً وأيقونة جمال وأزياء في العالم كله.