كان من الواضح الإصرار الإيراني على إنهاء مفاوضات الملف النووي مع الدول الكبرى في موعده المحدد، وظهر ذلك جلياً من خلال كم «التنازلات» التي قدمتها طهران، بموازاة الترويج للداخل الإيراني بأنها حققت «فتوحات» كبيرة، ما دفع آلاف الإيرانيين للنزول إلى الشوارع للاحتفال.
من المفيد التذكير أن إيران قد بدأت مفاوضاتها مع الدول الكبرى منذ ما يزيد عن 12 عاماً، وتحديداً في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، حيث كان الرئيس الحالي حسن روحاني يدير تلك المفاوضات آنذاك، والتي انتهت إلى اتفاق على تجميد البرنامج النووي ضمن شروط دولية صارمة، إلى أن عاد التوتر مرة أخرى بعد انتخاب أحمدي نجاد خلفاً لخاتمي، حيث قام في أغسطس 2005 بفض الأختام عن معدات تخصيب اليورانيوم في أصفهان، وهو ما أعاد حالة التوتير مرة أخرى مع الغرب.
ومن المفيد أيضاً التذكير بما عرف بـ«الصفقة الكبرى»، التي قدمها خاتمي في مايو 2003 للدول الكبرى، حيث تعهد بشفافية كاملة للبرنامج النووي ووقف الدعم الكامل عن حزب الله وحركة حماس، مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتطبيعاً كاملاً للعلاقات الدبلوماسية، وهو ما رفضته الإدارة الأمريكية آنذاك.
الصفقة التي عرضها خاتمي عام 2003 كان يمكن لها أن تتكرر إبان المفاوضات الماراثونية التي خاضتها إيران مع الدول الكبرى نهاية الشهر الماضي، حيث كان من الواضح الحرص الإيراني على إنهاء المفاوضات دون تحديد أية مطالبات من الدول الكبرى بشأن عاصفة الحزم في اليمن، والذي يؤشر أن طهران قامت، ولو مرحلياً، بالتخلي عن حليفها الحوثي لصالح مفاضات النووي.
كل ما تقدم لا يعني أن تطمئن السعودية والدول الخليجية بشأن رد الفعل الإيراني، فهي وإن كانت متأخرة فلا بد أن تقع، فبعد استيعاب طهران للصدمة الأولى والانتهاء من اتفاق الإطار مع الدول الكبرى، فستعاود النظر في موقفها مما يجري في اليمن، وبالتأكيد لن تقبل أية هزيمة هناك، فماذا بقي لدى طهران لترد به على دول عاصفة الحزم؟!
الخيارات الإيرانية في هذا الشأن متعددة، سواء أكانت في المملكة العربية السعودية مباشرة أو بإحدى الدول الخليجية، أول تلك الخيارات هو تحريك «الخلايا النائمة» لمحاولة زعزعة الأمن من خلال عمليات إرهابية، وهذا الخيار كان دائماً المفضل لدى إيران، حيث لا يُحدث التصادم المباشر مع الدول الخليجية، وتكلفته هي الأقل، حيث من سينفذ تلك العمليات هم مواطنون خليجيون بتمويل إيراني، وربما ما رأيناه أمس في العوامية، شرق المملكة العربية السعودية، سيكون أول تلك العمليات.
الخيار الإيراني الثاني، والذي شخصياً لا أستبعده، تحريك مجاميع من المليشات الشيعية في العراق تجاه الحدود الشمالية لكل من السعودية والكويت، وهو ما أشار إليه أحد قياديي التيار الصدري، حيث أكد أن قاسم سليماني اجتمع مع عدد من المليشيات العراقية، عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي ومليشيا أبو الفضل العباس...، وصدرت لهم تعليمات واضحة بضرورة إشغال الحدود الشمالية للسعودية.
ما يؤكد هذا الخيار تمثل بإعلان عدد من المليشيات الشيعية فيما يسمى الحشد الشعبي بالانسحاب من قتال داعش في تكريت بعد انتقادات لها بممارسة العنف والسلب والنهب ضد المواطنين العراقيين هناك، ما يعني أن احتمالية تحرك هذه القوات جنوباً باتجاه السعودية أمر وارد.
- ورق أبيض..
إعلان أذربيجان تأييد «عاصفة الحزم» واستعدادها للمشاركة فيها تأكيد جديد على نجاح الدبلوماسية السعودية، بعد النجاح الذي حققته في العمليات العسكرية، ورسالة واضحة لإيران والعالم أن عاصفة الحزم ليست حرباً طائفية، وإنما تحرك عربي إسلامي لإعادة الشرعية لبلدٍ جار ولحماية الأمن القومي من التهديد.