ليعذرني القارئ قليلاً؛ فحين يكون الحديث عن المحرق، وأهل المحرق وفرجان المحرق، وريح المحرق، وعبق المحرق، فإني لا أملك إلا وأن أكتب كتابة وجدانية، وهذا خارج عن إرادتي، فالكتابة عن المحرق وكأنها تخرج من الروح والقلب وليس القلم.
حبنا للمحرق لا ينفصل عن حبنا للبحرين الأم، كلاهما يصبان في مصب واحد، وكأنهما جدول ماء، كانا في الأصل واحد وتفرقا قليلاً، وعادا ليصبا في مصب واحد، وهذا المصب هو عشق البحرين وحب البحرين وأهلها بمدنهم وقراهم.
البحرين التي كنا نعرف، البحرين الخالية من الأحقاد والمؤامرات والطعن في الظهر والخيانة، البحرين التي كان ينام أهلها وأبواب بيوتهم مفتوحة.
بحرين السبيعنيات والثمانينيات وما قبلهما، والتي ما أن تذهب إلى مكان فيها إلا وتسمع كلمات الترحاب، والاستقبال الطيب، والأخلاق الجميلة، هكذا كان أهل البحرين الحقيقيون، الذين لم ينجرفوا إلى تيارات بغيضة مريضة غيرت النفوس، وبدلت كلمات الترحاب بنظرات الريبة، والازدراء أحياناً، وفي بعض الأحيان قد يحصل لك مكروه عقاباً على دخولك لمكان ومنطقة ما.
للمحرق أعود؛ فقد قرأت بالأمس تصريحات طيبة من وكيل وزارة الإسكان الأخ الكريم سامي بو هزاع تتعلق بالمحرق القديمة (الفرجان القديمة) وكان ذلك خلال جلسة مجلس المحرق البلدي.
يقول الأخ سامي بوهزاع: «إن هناك مشروع إحياء المحرق القديمة من خلال استملاك البيوت القديمة والمهجورة وبناء بيوت إسكان مكانها، من أجل إعادة أهلها إليها»، ويضيف بوهزاع: «لدينا مشروع قيد التنفيذ (114 بيتاً وسط المحرق) ولدينا مشروع مستقبلي بـ 143 بيتاً، كما أن وزارة الإسكان تقوم حالياً بعمليات مسح لفرجان المحرق القديمة».
هذه أنباء طيبة حتى وإن كانت من غير تاريخ زمني للإنجاز، غير أننا كمواطنين نجد أن أغلب مشاريع المحرق معطلة ومتأخرة، ولا نعلم لماذا؟ هل هي بفعل فاعل؟ هل هي بسبب مسؤولين بعينهم؟ هل لاحتمال أن هناك من لا يتمنى أن تعود المحرق كما كانت؟
والله لا أعلم لكن أغلب مشاريع المحرق معطلة بما فيها مشروع سوق القيصرية والأسواق القديمة التي يقال إنها في عهدة هيئة الثقافة! وربما نحتاج إلى حريق آخر بالسوق..!!
حين قرأت تصريحات وكيل الإسكان عن مشاريع الوزارة الإسكانية لوسط المحرق (قلب المحرق) أدركت أن هذه المشاريع لم يكن لها أن تقام لولا توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان ـ حفظه الله وأمده بالصحة والعافية ـ الذي يحب المحرق، والمحرق وأهلها يحبونه.
مشاريع الإسكان والصحة والتعليم والطرق بالمحرق لم يكن لها لتتحرك (رغم إعاقة بعض المسؤولين لها بسبب البيروقراطية المعروفة، أو ربما لأسباب ذكرت آنفاً) لولا توجيهات خليفة بن سلمان، وأعتقد أن أي مسؤول يقوم بتعطيل مشاريع المحرق متعمداً دون أسباب جوهرية يجب أن يحاسب، ويجب أن نرى أين يقع التأخير وفي أي وزارة، وفي أية أدراج مغلقة؟
ذات مرة سمعت الأمير خليفة بن سلمان يقول لرجل من العوائل الكريمة التي كانت تسكن المحرق: «أنت وين ساكن الحين»؟
فيجيب الرجل: «أسكن في المنطقة الفلانية».
فيقول له خليفه بن سلمان: «وش وداكم هناك، انتوا مكانكم بالمحرق، لازم ترجعون لها.!».
أتمنى أني نقلت كلام الأمير كما أتذكره، وهذا هو المطلوب؛ أن يعود أهل المحرق إلى مكانهم وفرجانهم بعد أن تعود إليها الحياة، والخدمات من كهرباء ومجارٍ وطرق فسيحة، ومساجد، وأسواق، ومواقف السيارات، وأن تكون الفرجان على هيئة الفرجان القديمة بأسماء الفرجان القديمة، وأن يكون الطراز المعماري يحاكي بيوت المحرق، أو أن يحمل مسحة منها حتى وإن كانت بيوت إسكان، ذلك أن لبيوت المحرق هوية وتاريخاً وطرازاً معمارياً فريداً ومعروفاً.
قبل أن يعود أهل المحرق إلى المحرق، يجب أن تكون الخدمات كلها موجودة، وأن تفتح طرقات واسعة من وإلى داخل المحرق حتى لا يكون الازدحام عائقاً أمام عودة أهلها، فالزحام اليوم في طرقات المحرق الضيقة لا يحتمل ويشتكي منه أهلها، ووعود وزارة الأشغال لا ترى النور.
إن الفضل لله سبحانه أولاً وأخيراً؛ لكني لا أنسى أبداً استجابة الأمير خليفة بن سلمان لما طرحته في عمودي، وكنت حينها أكتب في صحيفة أخبار الخليج، وكتبت عن معاناة أهالي حالة بوماهر، فجاءت الاستجابة الكريمة مباشرة من سموه والحمد لله والفضل له سبحانه، وأذكر أني تلقيت اتصالاً في الساعة الثامنة صباحاً من ذات اليوم الذي نشر فيه العمود من محافظ المحرق الأخ الكريم سلمان بن هندي، وقال لي حرفياً: «أنا ووزير الإسكان فهمي الجودر في الموقع ولدينا توجيهات من سمو رئيس الوزراء بأن نقدم تقريراً عن الوضع».
فقد أقيمت ولله الحمد والمنه أكثر من مرحلة لإعادة بناء بيوت حالة بوماهر، ومن بعد شكرنا لله سبحانه، فإننا نشكر الأمير الوالد خليفة بن سلمان عن كل استجاباته الوطنية الكبيرة وسماعه لصوت أهل البحرين في كل مكان وموقع من هذا الوطن.
تذكرت ذلك وأنا أكتب اليوم عن فرجان المحرق الداخلية، كما كتبت مراراً عنها سابقاً، وبإذن الله سيأتي يوم وتقام فيها المشاريع المذكورة بمتابعة سمو رئيس الوزراء الموقر.
الأوطان تحافظ على هويتها وتاريخها وإرثها الحضاري وأمجادها، هكذا يفعلون في كل مكان، ونحن (محسودين) على المحرق، فحين يزورنا أخوة من دول الخليج أو الدول العربية، فإنهم يريدون أن يذهبوا للمحرق، ليشاهدوا التاريخ والبناء القديم والبيوت القديمة والأسواق القديمة، يقولون لنا: «البناء الحديث والأبراج والعمارات موجود في كل مكان، نريد أن نشاهد هوية وتاريخ البحرين».
أكان ذلك في المحرق أو في المنامة والقضيبية، وأم الحصم، أو في الرفاع، أو في بعض القرى كلها تمثل هوية البحرين الجميلة، ويجب أن نحافظ على هويتنا، حتى وإن أردنا تحديث الخدمات والبناء، الهوية والتاريخ شيئان لا يعوضان ولا يقدران بثمن، وهناك بلدان حولنا تشتري التاريخ، وتشتري الهوية، ونحن نملكها حقيقة، وليس تزييفاً، وربما نبيعها عليهم بحثاً عن المال مع الأسف..!!
بعض دول المنطقة أقاموا أسواقاً تراثية قديمة ببناء حديث، وأصبحت معلماً لبلدانهم، ونحن نفرط في هويتنا، وليس لدينا معلم سياحي مثل أسواق دول المنطقة التراثية، برغم أننا نملك التاريخ والأسواق والتراث، والحرف اليدوية، والهوية البحرينية، لكننا ضيعنا خطواتنا، واكتفينا بمهرجان التراث..!
قبل أن أختم أقول؛ أعيدوا لنا المحرق كما كانت، أعيدوها لتصبح مكاناً جميلاً تاريخياً بروح حديثة حتى يستطيع أهلها العودة إليها، أخرجوا الآسيويين منها حتى يأمن أهل المحرق على أسرهم وصغارهم. المحرق التي يلعب في فرجانها لعبة (الاكريكت الآسيوية) لا يمكن أن تستقطب أهلها إليها اليوم إلا بمشروع كبير متكامل.
** بشارة طيبة إن حدثت..!
قال الرجل الفاضل الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس الوزراء أمس الأول خلال تفقده مشروع تطوير النقل العام: «إن اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية تدرس جدوى تنفيذ مشاريع متطورة للنقل مثل (الترام) و(المونوريل) و(القطارات الخفيفة) وذلك لتقديم خدمات متطورة للنقل العام».
وهذه بشارة طيبة، فأهل البحرين يتمنون أن يروا وسائل نقل متطورة وحديثة تساهم في تقليل الازدحام، وتُوجد بدائل متعددة عن استخدام السيارات الشخصية.
نشكر الشيخ خالد بن عبدالله على جهوده، ونتمنى أن تتحقق هذه المشاريع سريعاً في البحرين، فقد سبقتنا دول الخليج جميعاً إلى مثل هذه المشاريع التي تضفي طابعاً آخر جميلاً على وسائل النقل، وتظهر أن هذا البلد يقدم خدمات متنوعة للمواطن والزائر.
والشكر موصول للأخ الوزير كمال أحمد وزير المواصلات والاتصالات على جهوده، واستجاباته لما يطرح في الصحافة، ونتمنى أن نرى مشاريع متقدمة في وطننا، وأن نسابق الزمن لنلحق بدول المنطقة، فنحن لا نقبل إلا أن نأخذ موقعنا الطبيعي في المقدمة، وهذا يحتاج إلى عمل مضنٍ وأيادٍ وطنية مخلصة.