اتبعت الحكومة سياسة الخطوة خطوة في تمرير الميزانية التي تريدها وحسب المواصفات التي وضعتها لها وبما يحقق أهدافها وتطلعاتها وحدها، ميزانية يكتنفها الغموض معتمدة كما هي منذ الأزل على مصدر واحد للدخل، رابطة مصير الميزانية ومصير تمويل المصروفات المعلنة وغير المعلنة بهذا المصدر اليتيم.
وحتى تصدر الميزانية بهذه المواصفات تم تأخيرها عدة شهور ريثما تنجز الطبخة الغامضة، وريثما يبتلع مجلس النواب الطعم وينتهي الأمر بصيد ثمين دون مقابل أو بمقابل زهيد جداً في أسوأ الأحوال.
بدأت خطوات إعداد الطبخة بالتلويح والتلميع للبرنامج الحكومي باعتباره أول برنامج من نوعه يعتمد على خطط ومبادرات وأهداف ودراسات وأرقام تصب كلها في مصلحة المواطنين وفي خطة التنمية الشاملة، وفي إنجاز الكثير من المشروعات، وباعتباره أيضاً أول برنامج تطلب الحكومة بناء عليه الثقة من مجلس النواب الممثل للشعب والساهر على مصالحه.
ونجحت الحكومة في نيل ثقة المجلس وبأغلبية ساحقة بعد أن قال فريقها لأعضاء المجلس إننا على استعداد لتلبية كل رغباتكم من زيادة عدد الوحدات السكنية «على الورق» إلى زيادة علاوة المتقاعدين والمعاقين إلى زيادة الرواتب عندما يتوفر المال اللازم لذلك، وغيرها من الوعود المشروطة أولاً والتي لا تلامس القضايا الرئيسة التي على البرنامج أن يتصدى لها مثل وضع الاستراتيجيات والبرامج لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وإصدار ميزانية متوازنة، وتخفيض الدين العام خلال مدة محددة وبالمقابل زيادة المبالغ التي تودع في احتياطي الأجيال المقبلة باعتبارها صمام الأمان لمواجهة تنامي الدين العام.
وبعد تمرير الحكومة لبرنامجها وتلقيها التهاني على نجاح سياسة الخطوة خطوة (الكيسنجرية) واصلت خطواتها نحو الميزانية المرسومة صورتها والموضوعة تفاصيلها قبل إقرار برنامج الحكومة، ميزانية تعتمد على المصدر الواحد ولا تنوع مصادر الدخل، تقلص المصروفات العامة 15% وبما لا يؤثر على رواتب وأعداد كبار الموظفين في الدولة والتي تستهلك معظم المصروفات المتكررة، ميزانية تقوم أساساً على الاقتراض وعلى زيادة الدين العام باعتباره أمراً حتمياً، واستمر الإعلان التدريجي عن الميزانية المرتقبة حتى وصلت إلى طلب دعم العمود الفقري لها وهو رفع سقف الدين العام إلى 7 مليارات دينار.
وبعد عجز الحكومة عن تقديم المبرر والإجابة عن سؤال أين ذهبت المليارات المقترضة في السابق والفائضة عن الحاجة، رفض مجلس النواب طلب الحكومة برفع سقف الدين العام ففاجأت المجلس -أو هكذا تنوي- بإشعاره أن الميزانية ستقدم لهم بصفة مستعجلة.
أي أنه سيكون أمام المجلس أسبوعان فقط لمناقشة الميزانية أو رفضها، وهي مدة لا تساوي شيئاً أمام المدة التي استغرقتها الحكومة في إعداد الميزانية (6 شهور)، وبما سيؤدي قطعاً إلى رفض المجلس للميزانية ومن ثم إحالتها إلى الشورى لتبقى عنده نفس المدة، ومن ثم تكون الطبخة قد أصبحت جاهزة وتنال الحكومة عليها الثقة الثانية، وتصدر الميزانية بقانون!