سأبتعد مؤقتاً عن الشأن المحلي وما يحدث فيه نظراً للتطورات العسكرية وحرب «عاصفة الحزم» التي تدور رحاها في منطقة الخليج العربي، وتفرض عليّ التطرق في الحديث عنها، لأنه - وحسب قناعاتي الشخصية - الكاتب هو ابن الأمة وليس ابن الوطن فقط.
بعيداً عن التزام إيران ببنود الاتفاق مع القوى الست حول برنامجها النووي وقبولها بمستوى تخصيب يورانيوم لمستوى يقل عن 5%، من عدمه، وبعيداً عن كون الاتفاق يمثل هزيمة محققة لنظام الملالي قد يسهم في تعطيل مشروعه النووي - مؤقتاً - لسنوات، ويكفي للتدليل على هذه الهزيمة أن إيران رضخت لمطالب كانت معروضة عليها منذ منتصف العقد الماضي، غير أنها رفضتها رغم اقترانها بحوافز تفوق بمراحل ما حصلت عليه في اتفاق الخميس الماضي، إلا أن هذ الاتفاق، سواءً كان «إطارياً» أم نهائياً أو تضمن رفع العقوبات على مراحل، سينقل رسم الأدوار إلى مستوى آخر في المنطقة، وسيعزز من دور إيران الإقليمي والذي ستزداد مواضيعه تعقيداً، مما يفرض على دول الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، دينامية جديدة في التعامل والتفكير، من منطلق التوازن/ التفوق العسكري، مع «جار» محتل وطامع وغادر.
وأقولها صراحة وعلناً دون مواربة؛ الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، وأولى تلك المفاجأت إعلان السعودية انضمامها لسباق التسلح النووي، وربما ما أعلنه السفير عادل الجبير وما قاله علناً لـ CNN بأن «السعودية ستبني برنامجها النووي الخاص وستصنع قنبلتها النووية لمواجهة البرنامج النووي العسكري في إيران، ولا تفاوض على عقيدة المملكة وأمنها» يؤكد ما ذهبت إليه، مهما كانت التزامات السعودية بموجب «معاهدة حظر الانتشار النووي»، وأتصور أن الخيارات متوفرة وعديدة، فقط المطلوب من السعودية أن تؤشر، والخيار الأول متوفر في باكستان، فالمعلوم أن الرياض قد ضخت استثمارات ضخمة في مشاريع باكستانية للأسلحة النووية وذلك للحصول عليها في حال أرادت ذلك.
الأمر الثاني أن السعودية سبق وأعلنت في 2011 عن خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى العشرين عاماً المقبلة بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار، أي أن السعودية تملك قاعدة نووية تفوق بمرات ما هو موجود لدى إيران، والمفاجأة الأكبر هي أن السعوديين - بموجب التزاماتهم وفقاً لـ«بروتوكول الكميات الصغيرة»- يستطيعون إدخال المادة النووية خلال 180 يوماً، ولا يتوجب عليهم إخبار «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بذلك في حينها، كما لا يتعين عليهم الكشف عن البحث والتطوير والاختبار الميكانيكي لأجهزة الطرد المركزي والاختبار باستخدام مواد بديلة، ومن ثم يمكن للمملكة العربية السعودية أن تفجر مفاجأة من العيار الثقيل، وتفاجئ العالم في أية لحظة بامتلاكها السلاح النووي.
والنظريات السياسية والاقتصادية تقول في هذه الحالة، لا عقوبات يمكن أن تنفع أو تؤثر في السعودية المتحكم الأول في إنتاج وأسعار النفط، بجانب امتلاكها احتياطيات نقدية تقترب من الـ 800 مليار دولار، واقتصاد قوي قادر على إيقاف اقتصاديات العالم وشل حركته.
ثم ما هو فحوى الاتفاق بين دول الست وإيران الذي هللتم لأجله واعتبرتموه نصراً؟
لست أظن أن أحداً ممن قرأ نص الاتفاق يشك أن إيران خرجت من هذا الاتفاق، والذي كاد الولي الفقيه وفي سبيل إبرامه أن يخلع عمامته، مهزومة، فالثابت والمؤكد أن إيران وبعد رفع بعض العقوبات ستحصل على جزء من أموالها المجمدة في الخارج بمقدار سبعة مليارات دولار أميركي من جملة 100 مليار دولار، وهذا أولاً، أما ثانياً فإن العقوبات الأمريكية الأخرى المفروضة على طهران بسبب انتهاكات حقوق الإنسان والصواريخ البالسيتية والإرهاب لن ترفع بموجب الاتفاق، علاوة على ذلك، أن أبواب إيران ستكون مفتوحة على مصراعيها أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 25 عاماً ليجوبوها طولاً وعرضاً، وحتى مخدع خامنئي نفسه قد لا يسلم من التفتيش للتأكد من احترام إيران لتعهداتها، وفي حال عدم التزامها بالاتفاق سيعاد فرض هذه العقوبات، والذي سيمتد فترة سريان لعشر سنوات على الأقل.
السؤال القاتل؛ هل نظام الملالي سيحترم تعهداته؟
عزيزى القارئ.. لو كنت لا تزال تقرأ هذه السطور، فأنا أكاد أسمعك تقول إن نظام الملالي المحتل لأراض عربية (الأحواز، طنب الكبرى وطنب الصغري وجزر أبو موسى) والداعم الأول للإرهاب في الخليج وسوريا والعراق، والذي لم يحترم حسن الجوار، لا يمكن أن يحترم أي تعهدات، وأنا بدوري أوافقك الرأي 100%.