هل يمكن تصديق الـ»cowboy» الأمريكي في ادعاءات حفظ الأمن في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط؟ في ظل التصفيق من تحت الموائد للاستيلاء الإيراني على 4 عواصم عربية، فضلاً عن تدخلاتها كاشفة الرأس في شؤون المنطقة؟! هل يمكن القول أن إيران تنازلت وبتلك البساطة عن قدراتها في استخدام قواها النووية وطأطأت برأسها بعد موجة التحديات التي خاضتها لسنوات طوال؟! هل يمكن التسليم بأن إيران انتزعت من قلبها روح الجهد المثابر وتحقيق أهداف المد التوسعي الذي مازال يتشدق به رجال الدين لديها من الداخل والموالون من الخارج؟! علام ترفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن إيران؟ على «هديل السلام» الذي بعثت به إلى أسماع العالم؟ أم على جهودها الدبلوماسية للم الشمل الشرق أوسطي؟ أم لإدارة الكؤوس على موائد فساد المجتمع الدولي الكاشف؟!
لقد اختارت واشنطن أن تدير ظهرها عن الخليج العربي في وقت تتصاعد فيه أزماته وترتفع وتيرة مهددات أمنه، وقد ارتدت خلسة في مؤخرة رأسها قناعاً مازالت تضحك به على الذقون الخليجية موحية بالإقبال عليها. يتشدق أوباما بحرص بلاده على الأمن والاستقرار في المنطقة ودول الخليج العربي، ولكن.. ما تلك الضمانات المعجزة التي حققها للوفاء بعهده؟! ماذا لو قررت إيران كسر الاتفاق في ضربة قاضية للخليج العربي، تصيبه في مقتل؟! ماذا لو كانت إيران قد تكيفت مع ظروف العقوبات الاقتصادية والمالية، وأن تلك الاتفاقية لا تعدو على كونها خارطة طريق للنيل من 6 عواصم عربية جديدة - خليجية، أو بعضها؟! ماذا لو كان الهدف الرئيس الضمني من ذلك الاتفاق تقويض الرغبة النووية لدى السعودية والإمارات؟!
كلنا يعلم الأغراض الخليجية والعربية لـ»عاصفة الحزم»، ولكن.. أيمكن أن تكون هناك دواع ودوافع مغايرة للمباركة الأمريكية على العملية؟! ماذا لو كان التأييد الأمريكي للعاصفة بغية الإيقاع بالمملكة العربية السعودية وحلفائها في حرب استنزاف؟! ماذا لو كانت العاصفة مجرد بالونة اختبار للقوة السعودية أو لمستوى تحالف القوات العسكرية وجديته؟! ماذا لو كان الذعر الإيراني المعلن جراء «عاصفة الحزم» يسوق له للإيقاع بالسعودية وغوايتها؟! ماذا لو كانت قوى أخرى.. كواشنطن منحت العرب والسعودية تحديداً أمنية أخيرة قبل الحكم بالإعدام.. فكان أن أتيحت لها فرصة التحول -مرة- من رد الفعل إلى الفعل، في ضوء ما أسماه «أوباما» التزاماً كاملاً بدعم قدرات السعودية للدفاع عن نفسها؟ ماذا لو أن حرباً أخرى يجري تحضيرها للخليج العربي؟!
نرقب اليوم الحماس الأمريكي.. وضم واشنطن - القوى النووية الكبرى والصاعدة تحت جناحيها، وكيف أن الاستقواء الأمريكي النووي في الشرق والغرب يشكل تهديداً للخليج العربي من جميع الأطراف النووية الحليفة والخصم، ومازلنا نتساءل هل يشكل المفاعل النووي الإيراني خطورة فعلية على الخليج؟! نعم.. إيران بقدراتها النووية تشكل تهديداً مضاعفاً لأمن الخليج العربي ما لم يصدق تقويض نشاطاتها بموجب الاتفاق، وتشكل خطراً بعيداً -لا محالة- إن صدقت، وهي من الكاذبين.!!
إن اللطم وندب الحظ الشرقي لا يجدي نفعاً في ظل تلك الموجة العالمية الساكنة على الخليج، في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وإن الحلول التي كنا نرفضها بالأمس، لعل ليس ثمة خيار إلا الوقوف عليها اليوم.. فلربما واحد من المنافذ المحدودة للخروج من المأزق الخليجي هو الدبلوماسية والاقتصاد.!!
تساءل الجميع في البداية.. لماذا لم تشارك «عمان» في تحالف «عاصفة الحزم»؟! وقد أبدى الكثيرون من اتخاذها لقرار عدم المشاركة تذمرهم واستياءهم، ولكنها عمان.. كطرف اختار واختير لأن يكون الأكثر حياداً لتقريب وجهات النظر والتمهيد لأرضيات الحوار والمفاوضات في أغلب أزمات المنطقة، ولذلك.. فلعلها صمام الأمان الخليجي على الصعيد الدبلوماسي، عندما تغلق الأبواب.
لقد حان استخدام «الكرت العماني» لعلاقاته الوثيقة مع طهران، وبناء جسور مصالح مشتركة تستثمر دول الخليج العربي من خلالها رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بالإيجاب، لكي لا تتحول الأخيرة كالسكين المعقوفة في الخاصرة، فإن حارت إيران بالقوة والاستقواء، لن تحير أبداً بمصلحة مشرعة الأبواب ودفعة أكسجين خليجي قوية تنعش فيها اقتصادها من النفس الأول بعد العقوبات. ولكن لكي لا يكون إنعاش اقتصادها فجائياً حفراً للقبور الخليجية في الأراضي الطهرانية، ليكن الأكسجين الممنوح لها محسوباً بدقة، وعلى جرعات، دونما موجات تراضٍ انفعالية وترضية عارمة.