ربما أذهب من بعد متابعة تفاصيل الاتفاق بين الغرب وإيران حول برنامجها النووي (الذي في تقديري ليس سلمياً) أذهب لأقول: ربما إيران ضحكت على الغرب، (وإن حدث هذا) فإن ذلك حدث برضى من الغرب..!
حتى وإن كان الكثير من المحللين يرون أن إيران هي الخاسرة من هذا الاتفاق (الإطاري، أي أنه اتفاق من دون كتابة التفاصيل) كما إن أصوات محافظة كثيرة خرجت من إيران تقول للناس بما معناه (إننا انضحك علينا)..!
خلال مشاهدتي احتفالات سكان طهران بالاتفاق الإطاري تذكرت لوهلة خطابات محمود نجاد الرئيس الإيراني السابق الذي أخذ يخطب ويتبجح ويقول إن العقوبات زادت إيران قوة، وإن إيران لن تخضع للغرب..!
وإن كان كذلك، فلماذا كل هذه الاحتفال برفع العقوبات، بينما العقوبات لم ترفع بعد؟
من الواضح أن إيران تريد أن ترفع العقوبات بشكل سريع، فقد أنهكتهم العقوبات، وباتوا يريدون تقديم تنازلات أكثر حتى ترفع العقوبات عنهم، غير أنه حتى وإن رفعت العقوبات الأوروبية والدولية، فإن العقوبات الأمريكية لن ترفع إلا إذا مرت بالكونجرس الأمريكي والذي يهيمن عليه الجمهوريون، وهذا ربما لن يحدث.
أما فيما يتعلق بردود الأفعال الإيرانية نفسها، فقد قال مستشار خامنئي حسين شريعتمداري: «إن اتفاق لوزان ولد ميتاً، والاتفاق مع الغرب يعني أننا سلمنا الحصان، واستلمنا عنانه».
بينما قال منصور حقيقة بور نائب رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني: «إن مكاسب الغرب كانت أكثر مما حققه الجانب الإيراني، وإن ظريف والفريق المفاوض تجاوزوا البرلمان حيث إن توقيع البروتوكول الإضافي يتطلب موافقة البرلمان، وإن ظريف تصرف بمفرده في هذا الخصوص».
كما انتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني إسماعيل كوثري البيان المشترك وقال: «كنا ننتظر من الفريق المفاوض أن يتصرف بحزم أكثر في هذه المفاوضات وقد حققت أمريكا جميع مآربها، بينما لم نحقق نحن كل مآربنا وهي إلغاء كافة أشكال العقوبات».
مما سبق يظهر أن هناك حالة من الفرح الشعبي حدثت في إيران ذلك أنهم سمعوا أن العقوبات سترفع، كما إن أغلب الجناح المتشدد في إيران بما فيهم مستشار المرشد كانوا ضد هذا الاتفاق والذي ينظرون إليه على أنه اتفاق مخزٍ.
على الجانب الآخر ظهرت ردود أفعال أخرى من جانب وزير الخارجية الفرنسي فابيوس الذي قال: «إن مسألة رفع العقوبات عن إيران لم يتم حسمها بعد مضيفاً الإيرانيون يريدون رفع كل العقوبات، لكننا نقول لهم يجب رفع العقوبات بالتدريج ووفق تطبيقكم لالتزاماتكم وإذا أخللتم بها من الواضح أننا سنعود بالعقوبات ثانية».
بالمقابل هناك من يطرح أن الرئيس الأمريكي أوباما أراد أن يترك قبل رحيله في 2016 بصمة الاتفاق مع إيران بأي ثمن، وربما هذا الاتفاق قد يلاقي هجوماً شرساً من قبل الجمهوريين، كما إن هناك توجسات في حال فوز الجمهوريين في الانتخابات القادمة مما يعني أن الأمور لن تكون على ما يرام بخصوص الاتفاق مع إيران مستقبلاً.
الشواهد والتاريخ يقولان إن الإيرانيين لا يلتزمون، وأكثر الشعوب مراوغة، كما إن ساسة إيران لا يقولون الحقيقة في الغالب فيما يخص برنامجهم النووي، فالذي يعرفه الجميع (ما عدى السيد أوباما) أن البرنامج الإيراني ليس برنامجاً سلمياً، وأن الهدف هو إنتاج قنبلة نووية إيرانية.
برغم فرح بعض الجماهير في طهران بالاتفاق الإطاري غير أن هناك من يقول إن ما هو أكثر خطورة من الاتفاق الإطاري، هو الاتفاق على التفاصيل أو ما يسمى بالاتفاق حول الملحق، وهذا يعني أن هناك أموراً كثيرة ستبرز وستظهر وستكون محل خلاف في محادثات الاتفاق التفصيلي.
المتشددون في طهران يرون أن أمريكا والغرب ضحكت عليهم، والمتشددون في أمريكا والجمهوريين تحديداً يرون أن إيران كسبت من الاتفاقية، لكن كل ذلك سيتضح أكثر حين تأتي محادثات الملحق التفصيلي لاتفاق الإطار، كما إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة قد تأتي بجمهوري متشدد ينسف كل الاتفاق مع طهران.
في ذات الوقت هناك سؤال مهم في هذا السياق وهو: لماذا تم ضرب المفاعل النووي العراقي في الثمانينات، ولماذا منعت مصر من أن تملك مفاعل نووياً، بينما يذهب الغرب للتفاوض مع إيران وتم الإبقاء على البرنامج الإيراني أو ما يسمى تأخيره 15 عاماً فقط؟
في المحصلة فإن على العرب أن يمتلكوا قرارهم ومصيرهم، على العرب أن يملكوا السلاح النووي، حتى وإن قيل إن باكستان باعت السعودية رؤوساً نووية، كما تملك السعودية صواريخ صينية بإمكانها حمل رؤوس نووية وتصل إلى مسافات طويلة تطال طهران.
حتى مع كل ذلك فإن علينا أن نملك برنامجنا النووي وأن يكون ذلك سريعاً، وأكثر دولتين يمكنهما أن يحققا ذلك هما السعودية ومصر.
أتوقف هنا اليوم على أن نتابع التداعيات والتحليلات بما فيها دعوة أوباما لزعماء الخليج للاجتماع في كامب ديفيد.