يتحدث أحد المسؤولين الخليجيين باهتمام بالغ عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الخليجية-الإيرانية، وهو يقيم مراحل تطورها منذ بدء الثورة الخمينية وحتى الآن، وكيف عاشت عصراً ذهبياً خلال فترة الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي، ولكن اهتمامه الأساسي ينصب في رؤية طهران لعلاقاتها في المنطقة، فهي تفضل دائماً علاقات سيئة مقابل علاقات متوازنة وعقلانية مع هذه الدول.
الحرب دائرة في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهي مواجهة غير تقليدية عما اعتدنا عليه من صراعات إقليمية منذ نهاية القرن العشرين، لأنها مواجهة لا تتدخل فيها قوى عظمى أو كبرى بل هي شأن إقليمي بحت لا علاقة له بتحالف دولي أجنبي أو مظلة أممية، ومن المتوقع أن ترسم هذه الحرب ملامح المرحلة المقبلة من تاريخ المنطقة السياسي لعقود طويلة.
لذلك فإنه من الجوهري إعادة طرح سؤال نؤمن بأهميته، وهو؛ هل من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون هناك علاقات مستقرة وتقارب مع طهران؟ أم أن مصلحتها تقتضي الاستمرار في حالة الصراع والتباعد وأحياناً الصدام؟
هذا السؤال كان محور قضية نقاشية في حديث طويل مع المستشار السابق لحاكم إمارة رأس الخيمة عام 1997 في ذروة التقارب الخليجي-الإيراني في الحقبة الخاتمية، ولكنني أجد نفسي الآن مضطراً لإبداء إجابة قد تكون مشابهة إلى حد كبير للإجابة التي طرحت في ذلك اليوم على المستشار الإماراتي.
السياسة الخارجية الإيرانية تحركها مجموعة من الثوابت، واللافت أنها ثوابت لم تتغير أبداً بتعاقب الأنظمة الحاكمة، فالثوابت التي كانت موجودة في حقبة الشاه استمر معظمها كثوابت للسياسة الخارجية لطهران بعد اندلاع الثورة الخمينية في فبراير 1979، منها على سبيل المثال السعي لتحويل إيران إلى قوة نووية كبرى، والسعي نحو التوسع في الشرق الأوسط. وحتى عندما كان المرشد هو الخميني كانت الثوابت نفسها، ولاحقاً عندما صار خامنئي المرشد اللاحق ظلت الثوابت أيضاً إلى الآن.
أيضاً رغم تعاقب 7 رؤساء على رئاسة إيران بدءاً من أبوالحسن بني صدر، ثم محمد علي رجائي، وعلي خامنئي، وعلي رفسنجاني، ومروراً بمحمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، وأخيراً حسن روحاني، جميعهم اعتمدوا هذه الثوابت في سياستهم الخارجية.
المحصلة، لا يبدو أن هذه الثوابت ستتغير يوماً لأنها مرتبطة بفلسفة فارسية قديمة لها جذورها التاريخية والثيوقراطية. وبالتالي لا يمكن تقييم السياسة الخارجية الإيرانية على أنها من أنواع السياسات المعتدلة، بل هي سياسة متطرفة، ومتهورة، ولا تكترث بالشركاء أو الحلفاء أو حتى دول الجوار. وسنوات إيران الثيوقراطية التي لا تزيد عن 36 عاماً بينت أن سنوات العداء والفتور امتدت إلى نحو 78% من عمر العلاقات بين إيران الثيوقراطية ودول مجلس التعاون الخليجي.
بمعنى آخر، طهران لا ترغب أبداً في إقامة علاقات جيدة مع دول الخليج العربي، وليست مهتمة أبداً في هذا النوع من العلاقات الآن أو حتى مستقبلاً، وكل ذلك انطلاقاً من تفكيرها الاستراتيجي القائم على المصلحة الذاتية.
ومثل هذا التحليل يتطلب إعادة تشكيل الرؤية الاستراتيجية الخليجية تجاه إيران الثيوقراطية، لأن طهران تعرف ماذا تريد منا، وحان الوقت لأن نعرف ماذا نريد منها، وكيف نريدها أن تكون بما يخدم مصالحنا ومستقبلنا كدول مجلس التعاون.