بعد أن تأكدنا من خلال مقالات (سراب الدعم) الخمسة والتي تناولت بالعرض والتحليل كافة أنواع الدعم التي تقول الحكومة إنها تقدمه لتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين، تأكدنا أن هذا الدعم هو غير حقيقي أي سراب وفي أحسن الأحوال فهو مبالغ فيه كثيراً جداً، كما هو الحال بالنسبة لدعم الكهرباء واللحوم الحمراء.
وبعد أن تكررت في الماضي بشكل عام، وهذه الأيام بشكل خاص الدعوة لإعادة هيكلة الدعم وتقديمه لمستحقيه فقط، حيث جرى الربط بين ما يقدم من دعم ومعالجة مشكلة تفاقم الدين العام وكذلك العجز في الميزانية، ورأت وزارة المالية من خلال اجتماع وزيرها مع اللجنة المالية بمجلس النواب الأسبوع الماضي أنه «من أمثلة الإجراءات التي تم طرحها من قبل الوزارة إعادة هيكلة الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية بما يكفل توجيهه إلى مستحقيه وتحديد معايير الاستحقاق بالتوافق مع السلطة التشريعية وتقديم الخدمات الحكومية بكلفتها الحقيقية».
وبيت القصيد في تصريح أو بيان وزارة المالية هذا هو ما جاء في جملته الأخيرة من تقديم الخدمات الحكومية بكلفتها الحقيقية، وهو ما يعني بعبارة أخرى إلغاء الدعم الحالي على أسعار السلع والخدمات، واستبداله بدعم آخر يذهب إلى مستحقيه من الفئات الاجتماعية التي توصف بمحدودة الدخل ويتطلب دخلها المحدود هذا دعماً نقدياً يمكنها من مجابهة متطلبات غلاء المعيشة من ناحية والالتزامات الحياتية من ناحية أخرى.
ومع أن وزارة المالية لم تشر صراحة إلى إحلال الدعم النقدي محل الدعم العيني الحالي إلا أن الوصول إلى تقديم الخدمات الحكومية بكلفتها الحقيقية يعني أن هذا التقديم سيكون عاماً وسيشمل الجميع، أي جميع السكان، وأن هناك فئة أو أكثر من السكان البحرينيين بالطبع سيتم فرزها باعتبارها الفئة أو الفئات المستحقة للدعم وحدها، وهي التي أحال وزير المالية مسؤولية تحديدها إلى مجلس النواب.
وفي هذه الحالة فإن المعيار الحقيقي لتحديد الفئات المستحقة للدعم من المواطنين هو الدخل الذي بتحققه يستطيع المواطن العيش بكفاية وكرامة ولا يحتاج لدعم أو مساعدات أو معونات من هنا وهناك تؤدي إلى إذلاله وترغمه على مد يده لغيره طول حياته، وتحديد هذا الدخل قد يعتمد على ما هو متوفر حالياً من معلومات مثل مبلغ علاوة الغلاء (700 – 1000 دينار) أو أن الأمر يحتاج إلى دراسة تحدد الدخل المطلوب ومن ثم تحدد مبلغ الدعم النقدي الذي يضاف إلى مداخيل أو رواتب المواطنين المستحقين للدعم، بحيث يصبح الدعم جزءاً من الدخل وليس إضافة عليه، ومن ثم يصبح من الطبيعي تحرير أسعار السلع والخدمات.