أعتقد يا سيدي الكريم لم تعد لدى مرارتي ومرارتك الطاقة اللازمة لمكافحة عشرات الأخبار التي تأتينا من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وتجلب الغم والكدر، ولعلك إن فتشت لوجدت أن إيران وعملاءها يقفون وراء كل ما حدث، ويبدو وللأسف سيظل مكتوباً علينا -في الخليج- أن نعاني من أفعال الطابور الخامس!!
كانت الأيام الماضية حافلة بكوميديا الموقف، لكنها كانت جميعاً من صنف الكوميديا السوداء التي لا تبعث إلا على الضحك المجروح الموجع، وليس هناك من كلام يثير التهكم والسخرية كما هو الحال في التصريحات والمواقف المعلنة من جانب مسؤولي العراق، فهم يتعاملون مع الاحتلال الإيراني كتعاملهم مع الاحتلال الأمريكي، ويتعاملون مع قائد ميليشيا فيلق بدر الجنرال قاسم سليماني على أنه الرئيس «المهيب» خليفة بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي، والبديل عن لرئيس المغلوب على أمره، محمد فؤاد معصوم.
آخر من أتحفنا بكوميديا الموقف زعيم منظمة بدر النائب هادي العامري حيث قال: «على من يتحدث عن المستشارين الإيرانيين أن يقف لهم وقفة إجلال واحترام، فلولاهم ولولا وجود الأخ قاسم سليماني لكان العراق كله الآن تحت سيطرة تنظيم داعش، وعلى العراقيين أن يقيموا تمثالاً لهذا البطل امتناناً وعرفاناً!!».
بيع وطنك يا العامري، وبيع حضارة العراق وتاريخه، أنت والربيعي وعبادي والمالكي والصدر، لكي يحكمكم الفارسي قاسم سليماني.
هناك معلومة «بسيطة» وجوب أن أطلعك عليها عزيزي القارئ، تصلح أن تكون رداً على هراء العامري، حيث يوجد بالجيش العراقي (97) ضابطاً برتبة فريق / فريق ركن، و(732) ضابطاً برتبة لواء / لواء ركن، و(1924) ضابطاً برتبة عميد /عميد ركن، ما مجموعه (2753) قائداً، وهو ما لا يمتلكه أي جيش في العالم، بما فيهم الولايات المتحدة وروسيا والصين وحلف الناتو، كما يبلغ عدد عناصر الجيش العراق (700000)، ليس هذا فحسب؛ بل 61 دولة من دول التحالف الدولي تقوم بتدريب الجيش العراقي، وللأسف كل هؤلاء الآن يقودهم الفارسي سليماني و«المستشارون الإيرانيون» كما يحلوا للعامري أن يسميهم.. يبدو أن سياسي العراق، استحلوا العيش تحت الاحتلال..
الأمر المدهش في هذا كله هو دخول سليماني مدينة تكريت، معقل الرئيس السابق صدام حسين وأقاربه وقيادته العسكرية، سكان تكريت يقفون مذهولين أمام المعادلات التي انقلبت في أقل من عقدين، فأغلب جنرالات جيش صدام، الذي حارب إيران على امتداد ثمانينات القرن الماضي وينحدرون من تكريت وما حولها، يشاهدون بحسرة وألم الفارسي يطأ بقدمه مدينة زعيمهم، بل وقام باستبدال صور ضخمة لصدام كانت تغطي ضريحه الذي هدم وسوي بالأرض، بأعلام ميليشيات شيعية وصور زعماء الميليشيا، بمن فيهم سليماني نفسه!!
دعني أقول لك أمراً آخر..لبّ المشكلة ليست في انتصار كل هذه المجموعات العاملة تحت إمرة الجنرال الإيراني في تكريت على داعش، بل أصل المشكلة هي وجود رمزية، والرمزية إيرانية، تكشف أول ما تكشف عن الرغبة في الانتقام من صدام نفسه حتى بعد ما مات، ليس من خلال هدم ضريحه بل من خلال تغيير طبيعة تركيبة مدينة ارتبط اسمها باسم صدام حسين، وكأن إيران تريد أن تقول من هذه الرسالة إن أحقادها لا تموت.
ختاماً وبنظرة شديدة الواقعية، وبعد أن انكشف وبان سر أذرع الطابور الخامس التي يحركها ولي الفقيه في كل ما يحدث هنا أو هناك، وجوب أن تكون حذراً إلى أبعد الحدود، ولا تظن أن الحكمة الأيرلندية كانت عابثة عندما أجرت على لسان حكيم قديم قولها الأثير: «من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن»، فالأسد كحيوان لا يعرف الخيانة (أرجو ألا تصنف السوري على أنه أسد)، لذلك ادع معي المولي القدير أن يخلصنا من كل «....» خائن، وأن يخلف مكانه أسوداً تدافع عن أوطانها بأرواحها!!