مثّل صعود الجماعات الإسلامية في الخليج العربي مرحلة جديدة من تطور الحراك السياسي في المنطقة عندما بدأت الجماعات الإسلامية السنية في الصعود تزامناً مع استقلال معظم الدول الخليجية مطلع السبعينات من القرن العشرين، تبعهم سريعاً جماعات الإسلام الشيعي التي بدأ نشاطها ونفوذها يزداد منذ اندلاع الثورة الخمينية في طهران ربيع العام 1979.
هذه المرحلة جاءت بعد الفشل التاريخي لجماعات اليسار بمختلف تلاوينها وتبعثر اليساريين دون رجعة لنحو أربعة عقود ومازالوا.
جماعات اليسار تتفق مع الجماعات الإسلامية في الأيديولوجيا والأجندة السياسية والانتهاء الطبيعي لها هو التطرف والعنف والتورط بالإرهاب. هذه هي دورة الجماعات السياسية في مجتمعات الخليج العربي، حيث تبدأ الجماعات السياسية بنشاط معتدل تدريجياً ثم تبدأ مرحلة التوحش بعد تكوين القاعدة الجماهيرية والتغلغل في مؤسسات الدولة، يعقبها صدام علني مع الدولة وسياساتها المختلفة، وعادة ما ينتهي الصدام بالانتقال إلى مرحلة التطرف وأخيراً التحول إلى جماعة إرهابية أيديولوجياً وحركياً.
انتهت الجماعات الإسلامية السنية والشيعية في الخليج العربي إلى جماعات ثيوقراطية إرهابية باتت في مواجهات مفتوحة مع الأنظمة السياسية الحاكمة. والسؤال هنا؛ إذا كانت الجماعات الإسلامية المختلفة قد خلفت جماعات اليسار، فما هي الجماعات السياسية التي يتوقع أن تنشط أيديولوجياً وحركياً في المنطقة خلال العقود المقبلة؟
لا يمكن الإجابة على السؤال دون مناقشة قضية أخرى مرتبطة بها وهي علاقة المواطن الخليجي وحاجته الأساسية للتنظيم السياسي، بمعنى آخر؛ إلى أي مدى يحتاج المواطن في هذه المنطقة الحيوية والاستراتيجية من العالم إلى أن يشكل جماعات وأحزاب وتنظيمات سياسية في ظل وجود أنظمة سياسية لها خصوصيتها الفريدة، ودوره في صنع القرار يختلف عن أنماط الشراكة الأخرى في اتخاذ القرار؟
بناء على التطور التاريخي لمجتمعات الخليج العربي فإنه من اللافت أن شعوب هذه المجتمعات عندما تتاح لها الفرصة للتنظيم السياسي يتم اختطاف هذا الحق لصالح جماعات لها أجندات أيديولوجية وتنتهي التجربة بالفشل، في الوقت الذي يحرص فيه السواد الأعظم من الأفراد على الابتعاد عن مثل هذه التنظيمات لعدم ثقتها فيها وقناعتها بأنها غير قادرة على تجميع المطالب والدفاع عن المصالح، وقد يكون نموذج جمعية الوفاق بتوجيهاتها الراديكالية الثيوقراطية أوضح نموذج على هذا الفشل الذريع، والتي تمكنت من الصعود والهبوط خلال عشر سنوات.
وللحديث بقية..