لطالما كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية من «بشار الأسد» ثابتاً وواضحاً طوال السنوات الأربع الماضية، إذ طالبت برحيله طوال تلك الفترة كونه فاقداً الشرعية بمنظورها، ولكن.. ظهور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتصريح بضرورة الحوار مع «بشار» قلب كل الموازين؛ دعوة أمريكية للحوار مع بشار بعد أربع سنوات عجاف من أعمار السوريين ومصائرهم، أربع سنوات من التشرد والضياع وتدمير وطن، فما الذي استجد في القضية السورية مؤخراً لتخرج الدعوة الفجائية للحوار وحل الأزمة؟! وماذا عن الاتفاقية الأمريكية - التركية لتدريب وتسليح ما اتفق الطرفان على تسميته «المعارضة السورية المعتدلة»، الأمر الذي لم يمض على إعلانه أكثر من شهر؟! وما عسانا نفسر تصريحاً لوزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»، قال فيه «من الطبيعي قيام هذه القوات بقتال جماعة داعش والنظام السوري وأن تركيا والولايات المتحدة متفقتان حول هذا الأمر»؟!! ترى.. كيف انقلبت الموازين.. وعادت الشرعية لـ«بشار» بين ليلة وضحاها؟! وما سر تغيير البوصلة الأمريكية وانحرافها عن مسارها (170) درجة؟! والعشرة الباقية لا تستلزم سوى قليل من العتبات الأمريكية ليصعد «بشار» إلى كرسي الحكم ثانية.
لا يمكن القول بأن الاتحاد الأوروبي وروسيا لم يكن لهما دور في تغيير الموقف الأمريكي تجاه سوريا إلى حد ما، ولكننا نقف اليوم على قضايا مختلفة، وفي فترات زمنية متفاوتة وبعيدة، ولم نجد واشنطن تلقي ذات بال على مواقف المجتمع الدولي في رعونة وغرور كاشفين، فما الجديد الذي حول المسار الأمريكي؟!
نراقب المشهد السياسي.. ونلحظ أنه ما أن لاحت بوادر اتفاق نووي أمريكي - إيراني، حتى دعت أمريكا صراحة من خلال وزير خارجيتها جون كيري للحوار مع بشار، وهو ما يشير لدور إيراني كان الأكثر ثباتاً ووضوحاً في مواقفه بدعم الأسد ونظامه منذ البداية وحتى اللحظة، وهو ما يفرض سؤالاً مهماً؛ إن كانت هذه الدعوة متأتية من تأثير إيران على القوة العظمى في العالم -أمريكا- قبيل الاتفاق، فما عساه أن يكون مصير الخليج العربي بعد ذلك الاتفاق، وكيف ستسهم إيران في تردي أوضاع الخليج على عدد من الأصعدة وفي مقدمها الصعيد الأمني؟! لاسيما في ظل الأطماع الإيرانية في الخليج العربي، وما أثارته من أزمات أمنية سابقة على أراضيه على مر التاريخ، واستغلالها البشع للبعد الطائفي. وقد غدت الفرص سانحة لإيران، ومحاولاتها بسط نفوذها في سنوات مضت، لعلها بدأت تؤتي أُكلها على مهل.
يبدو أن إيران -رغم جوانب القصور والضعف لديها- تجاوزت مرحلة البناء الذاتي بما يكفيها للمواجهة السياسية الدولية في ظل السلبية التي ينعم بها الخليج العربي «في ظل الاسترخاء الخليجي وتمديد السيقان على شواطئ الأمان الواهم.. والثقة في أمريكا الغادرة)»، ولعل الفاتنة الطهرانية بعد أن اكتملت مفاتنها وبرزت مقومات جمالها السياسي والعسكري، غوت واستقوت بـ«القوة العظمى» شيطانها الأكبر، مستغلة بله الـ«cowboy» الأسود، والتخبط الأمريكي في الشرق الأوسط. وبعد أن بات الوطن العربي في ربيعه النازف على كف عفريت، يبدو أن جيشاً من العفاريت بانتظار لحظة الصفر وإطلاق صافرة دمار خليجي من نوع آخر، فهل للخليج أن يستفيق قبل أن يعلو الموج، ويضع لتهديد أمنه نقطة النهاية؟!