العقليات التي تعودت على الغضب على خطأ ما أو حدث ما أو شخص ما، دون انتظار عدة ثوان لمعرفة سبب الخطأ الذي أدى إلى هذه النتيجة؛ هذا النمط من الشخصيات عادة ما أطلق عليه العقليات المريضة، التي لم تستفد من تجاربها الحياتية، ولم تستوعب الدروس الكثيرة التي تعلمتها من الحياة والمدرسة، المرض بمعنى أن العقل المحدود بالرؤية الجزئية للأشياء التي أمامه، دون أن يعرف أبعادها القلبية غير المرئية إلا الذي فتح الله قلبه على كل ما حوله من نعم لا تحصى ولا تعد، وإمكانيات تتوسع دائماً لتتحول إلى سموات من الخير والبركة. الغضب السريع المباشر دون تشغيل القلب، بوصلة القلب، المتعودة على تحديد الجهة التي لابد من النظر إليها للوصول إلى ما يرام الوصول إليه من نتيجة، أو مكان أو الانتهاء من أزمة من الأزمات اليومية التي من الممكن أن يمر بها كل إنسان على وجه الأرض. قبل فترة، ربما هي طويلة نسبياً، عندما كنت أتعامل مع صفحة الفيسبوك كطريقة من طرق التواصل مع الآخرين للاستفادة من تجاربهم في الكلمة أو في الحياة، وقد تركت التعامل مع الفيسبوك للانتهاء من بعض المشاريع الكتابية والتي تحتاج إلى مساحة من الوقت لا أحصل عليها وأنا منشغل بالتعامل اليومي مع هذا النمط من التواصل. المهم أنني قرأت قصة جميلة نقلتها الأستاذة نزيهة عاصي على صفحتها في الفيسبوك، تقول القصة.. عاقب أب ابنته ذات الأعوام الأربعة لأنها أفسدت لفة من ورق التغليف المذهب، وقد ثارت ثائرة الأب عندما حاولت الطفلة تزيين صندوق كانت تريد وضعه في المكتبة. ومع ذلك أحضرت الطفلة الصندوق إلى أبيها صباح اليوم التالي وقالت له: «هذا لك يا أبي». أحس الأب بالحرج وندم على رد فعله المتسرع، لكن سرعان ما اشتعل غضبه عندما تبين له أن الصندوق كان فارغاً، فصرخ في الطفلة: ألا تعرفين أنك عندما تقدمين إلى شخص ما علبة فإنه يفترض أن يكون هناك شيء ما داخلها؟! نظرت الطفلة الصغيرة إلى والدها والدموع تترقرق في عينيها، وقالت: أبي.. إنه ليس فارغاً.. فقد أودعت فيه قبلاتي لك! في تلك اللحظة أحس الأب بالانسحاق.. طوق الصغيرة بذراعيه واحتضنها وضمها إلى صدره متوسلاً منها السماح.. ويقال بأن الرجل ظل يحتفظ بذلك الصندوق الذهبي بجانب سريره لسنوات طوال.. وكلما أحس بالإحباط كان يعمد إلى الصندوق فيخرج منه تلك القبلات المتخيلة ويتذكر حب تلك الطفلة التي كانت قد وضعته هناك. وفي الحقيقة فإن كلاً منا نحن البشر أعطي صندوقاً ذهبياً مملوءاً بحب غير مشروط.. وقبلات من أطفالنا وأفراد عائلاتنا وأصدقائنا ومعارفنا.. وليس بوسع إنسان أن يمتلك ما هو أغلى أو أثمن من ذلك الحب. إن الصغار الذين نظنهم لا يعرفون، والبعض يتصور أنهم لا يشعرون بأحاسيس الكبار ومعاناتهم اليومية في الحياة، هؤلاء الصغار يمتلكون ذكاء عاطفياً قوياً، إلى درجة أن يفضح ما يحمله الكبار من مشاعر. لنكن على وعي تام ونحن نتعامل مع أطفالنا، فهم أكثر معرفة بقانون المحبة منا نحن الكبار، لنفتح قلوبنا على المحبة، فقد نرى الحب في أصغر الأشياء التي حولنا، وليكن لكل منا صندوق القبلات، وليفتحه يومياً، كما فعل والد الفتاة التي جمعت له القبلات، بهذا سنرى العالم أجمل، وكل ما مررنا أو سنمر به سيكون أفضل.