تشكل في وعيي ومنذ نعومة أظافري الارتباط الكبير بين بغداد وحلوى «المن والسلوى» التي تشتهر بها العراق، ذلك أن من متطلبات عمل والدي -رحمه الله- السفر بشكل شبه أسبوعي إلى شتى بقاع الأرض، لكن رحلاته إلى بغداد كان لها طعم آخر ونكهة لا يمكن أن تُنسى، فهدايا رحلة العراق لم تكن تخلو من «المن والسلوى».
كان ذلك أول ارتباط جميل لي ببغداد، تبعه التعرف على تاريخ وثقافة وعراقة هذا البلد العربي، والذي رفع مستويات عشقي له إلى حد لا يمكن وصفه، والذي تحول في مرحلة لاحقة إلى كثير من الحزن والتعاطف لما حل ببلد الرشيد ومنارة الثقافة والعلم العربي، بعد الاحتلال الأمريكي لها، والدمار والخراب الذي حل بها.
صورة بغداد تحولت سريعاً وفي سنوات قصيرة من تلك المدينة الجميلة التي تنتج «المن والسلوى»، إلى مدينة أخرى لم أعرفها في طفولتي، مدينة تصدر الدمار والخراب إلى جوارها، فانطلقت الأفكار الطائفية وتشكلت العصابات الإجرامية، حتى أصبحت العراق موطن الإجرام في المنطقة، بل والعالم، ولتتربع على قمة هرم البلدان الأقل أماناً والأكثر إجراماً.
عصابات ومليشيات من مختلف الأشكال والألوان، لم يكفها ما أحدثته في العراق من دمار وخراب وقتل وتهجير لسكانها؛ بل عملت على «تصدير» هذا الإجرام لكل من حولها، فرأيناها في سوريا تحت عنوان «الدفاع عن ضريح زينب» تقتل على الهوية، وترقص على جثث الموتى، وها هي اليوم تحول اهتمامها في تصدير الإرهاب إلى البحرين، مرة باحتضان عناصر إرهابية بحرينية، وأخرى بإقامة معسكرات تدريب لهم، وثالثة بمحاولة تهريب الأسلحة والمتفجرات، تمهيداً لإحداث فتنة ومن ثم محاولة إشعال حرب أهلية بين أبناء البحرين، لا قدر الله.
هذا السيناريو، والذي تحاول قوى التطرف والإرهاب نقله إلى البحرين، كان يمكن أن يتم لولا اليقظة وحسن الأداء الذي يتمتع به رجال الأمن على وجه الخصوص، وكافة الدوائر العاملة في وزارة الداخلية، وما الإعلان الذي صدر أمس الأول عن نجاح رجال الجمارك على جسر الملك فهد بضبط كمية من الأسلحة والمتفجرات داخل حافلة ركاب قادمة من العراق، إلا دليل آخر على إصرار إرهابي على «تفجير» البلد يقابله إصرار أمني على الحفاظ على المكتسبات وإعادة الأمن والأمان لكل ربوع البحرين.
في البحرين يشكل التحدي الأمني النقطة الأكثر أهمية من سواها؛ فبالإضافة إلى الوضع الداخلي، والذي يسير نحو الهدوء وفرض الحالة الأمنية، هناك تحدٍ خارجي يتمثل في عصابات إجرامية طائفية تعمل ليل نهار على ضرب أمن الوطن والنيل من مقدراته ووحدة أراضيه وتلاحم أبنائه، هذا التحدث يتمثل دائماً بسعي تلك الجهات الإرهابية، ومن يقف خلفها من أحزاب أودول، إلى العمل على زعزعة الأمن؛ مرة بعمليات إرهابية تستهدف رجال الأمن أو المواطنين أو الممتلكات العامة والخاصة، ومرات كثيرة بتصريحات استفزازية تشكل رسائل إلى المجموعات الإرهابية، ولم يكن آخرها التصريحات الإيرانية بضرورة دعم المتطرفين في البحرين.
- ورق أبيض..
كلمات الشكر والامتنان لمنتسبي وزارة الداخلية لم تعد تكفي؛ فهم العين الساهرة على أمن الوطن، فهم حراس الحدود وسياج أمنه واستقراره، قدموا ولا زالوا أرواحهم فداء لتراب البحرين، ولم يتوانوا يوماً أو يخذلوا الوطن، دليلهم في ذلك نهج القائد الأعلى، جلالة الملك، الذي علمهم أن الوطن أغلى من كل غالٍ ونفيس، فساروا على نهجه جنوداً مخلصين لراية البحرين الخليفية، فكانوا على قدر المسؤولية والفداء والبطولة، كيف لاوهم أبناء حمد بن عيسى..