ماذا بعد الاتفاق النووي الأمريكي-الإيراني؟ ما عساه يكون مستقبل أمن الخليج العربي؟ وهل يمكن القول إن الاعتراف الأمريكي الضمني بإيران قوة إقليمية في المنطقة سيجعلها تتنازل عن نفوذها في الخليج لصالح إيران؟ ما الحكمة من ذلك الاتفاق؛ أهو بغرض إعادة هيكلة القوة وموازنتها في المنطقة أم لتتمادى أمريكا في بسط نفوذها من خلال شرطيها الجديد في الخليج «إيران»؟
لقد تضمنت الرسالة الخطية التي نقلها وزير الخارجية الأردني من الملك عبدالله الثاني إلى الرئيس روحاني «حرص بلاده على تطوير العلاقات» الثنائية و«أولوية النهوض بمستوى العمل الإسلامي المشترك»، في سياق مناقشة عدد من قضايا المعارك الدائرة في سوريا والعراق ضد داعش، ما يشير لاستعداد الأردن لتنسيق سياسته وعملياته العسكرية مع طهران، وبعد أن أصبحت الزيارات بين الطرفين في دوائر جاذبة لاهتمام المراقبين، وفي ظل التصالح الأردني - الخليجي والعلاقات الطيبة، هل يمكن القول إن الأردن سيكون أول المداخل إلى توافق خليجي - إيراني أو تحسين العلاقات بعد الدعوة الأردنية الصريحة للحوار العربي - الإيراني؟
هل ستدندن أمريكا في وقت قريب على وتر المصالح المشتركة بين الخليج العربي وإيران في محاولة للنأي عن حالات الخلاف التاريخية، والتي قد تكون واحدة من المعوقات الهامة التي تحول دون التقارب المأمول بين الطرفين؟!
في حال التوصل لاتفاق نهائي حقيقي بين أمريكا وإيران؛ هل سيكون للخليج ثمة خيار سوى تحقيق الإرادة الأمريكية وخارطة الطريق التي وضعتها لإعادة العلاقات الخليجية - الإيرانية؟ وإن حدث.. هل سيسهم ذلك التوافق إلى توحيد السياسات الخليجية إزاء إيران والولايات المتحدة أم سيشهد الخليج حالة من التذبذب ما بين أطراف مترامية في الأحضان الأمريكية الإيرانية وأطراف متحفظة؟
إن مستقبل أمن المنطقة عموماً والخليج العربي على وجه الخصوص يشهد حالة ضبابية، ولا شك أن الخليج يواجه خيارات صعبة أحلاها مر، لعل أهمها أن التوافق الأمريكي - الإيراني - الخليجي سيمهد لا محالة إلى بسط نفوذ إيران وتحقيق أحلامها الطموحة في الهيمنة على المنطقة؟! حسبما أرى.. فليس ذلك ببعيد؛ فالطريق اليوم ممهدة لإيران والفرص مواتية على نحو ربما لم يعد بإمكان دول الخليج التصدي لها.
إن الخليج العربي أصبح في أرجوحة أمنية لا يحسد عليها، وقد ضيقت أمامه الخيارات على نحو ربما لم يشهده من ذي قبل حتى في حرب الخليج الثانية، وإن جميع ما يمكن طرحه من تساؤلات وما يمكن تقديمه من سيناريوهات محتملة؛ إنما هي ضمن نطاق تلك الأرجوحة الآخذة في التسارع والاندفاع نحو المجهول، ولكن السؤال؛ هل سيحقق ذلك التأرجح الذي يشهده الخليج العربي نوعاً من الاستقرار الذي يلبي احتياجاته بما يكفي من الأمن، أم سيشهد اندفاعة قوية ترديه أرضاً أو تدخله في سباق تسلح يستنزفه حتى الرمق الأخير؟
في تقديري أن الخليج في مأزق وأن خياراته الصعبة ستنتهي أخيراً بالإرادة الأمريكية والتوافق الخليجي - الإيراني حفاظاً على بقايا عظام يحفظها له التاريخ في كتبه ومتاحفه وليضمن لنفسه حق البقاء.
- اختلاج النبض..
هنيئاً لإيران كل لقمة سائغة تلتهمها اليوم، وكل امتياز ستحظى به عما قريب، فقد كانت صعبة المراس وقوية البأس، لم يحل بينها وبين أحلامها عائق، نحن في زمن «البلطجة الدولية» والفتوة.. فإن لم يكن الخليج العربي قادراً على أن يكون «بلطجياً» بما يكفي فهو للأسف مهدد بسلب الإرادة وهي ليست عنه ببعيدة، ليس هذا تشفياً ولا أمنية أسوق لها؛ لكنها مراجعة جادة للمفهوم الخليجي لأمن الخليج العربي وسبل تحقيقه.. يبدو أن الزمام المرخي قد فرط حتى غدا مصير الشعوب الخليجية رهن معجزة أو فانوساً سحرياً يمنح القرار الخليجي قليلاً من العضلات وكثيراً من العناد، فيما عدا ذلك فلنتحاور مع إيران.
- دعوة..
سيدي الخليج العربي؛ أنت مدعو على مائدة عشاء إيراني فاخر فانقع السم لعدوك منذ اللحظة، أو استعر من يمننا المأزوم آخر ما تبقى من خلايا الشهد تسوق مذاقك، لأنك ستكون في العشاء الأخير أنت الوليمة.