قبل التعقيب على قرار رسوم الرعاية الصحية؛ سنوجز نصاً من دراسة تحت اسم «مبدأ الضريبة تقتل الضريبة بين ابن خلدون ولافر»، حيث أثبت لافر «أن كل زيادة في الضغط الضريبي تؤدي إلى زيادة الحصيلة الضريبية للدولة، ولكن فقط إلى غاية نقطة تسمى نقطة العتبة والتي بعدها تؤدي أي زيادة في الضغط الضريبي إلى انخفاض الحصيلة، حيث يتخلى المستثمرون عن الاستثمار (...) وهنا يبدأ النشاط الاقتصادي في التراجع»، كما أدرك ابن خلدون «أن التوسع في الضريبة يؤدي إلى ترك بعض الأنشطة الاقتصادية (...) وهكذا لاتزال العملة في نقص ومقدار «الوزائع» والوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها إلى أن ينتقص العمران بذهاب الآمال».
نبدأ بتبرير وزير الصحة في مداخلته أمام النواب بقوله «إننا لم نجلس مع أصحاب الشأن في تطبيق القرار في حين أن أول من جلسنا معهم في هذا الأمر هو مجلسكم، ومجلسكم هو من أقر هذه المادة في قانون العمل الجديد»، كما ذكر «إننا لم نجلس مع غرفة صناعة وتجارة البحرين في حين أن أعضاء الغرفة هم أول من أقر هذا القرار، جلسنا مع جميع رؤساء التحرير في مجلس وزير شؤون الإعلام، وأكدنا أن أي مؤسسة لن تفلس عندما تدفع ديناراً للرسوم الصحية للعامل الأجنبي، و300 فلس للعامل البحريني».
هنا يكمن السؤال؛ كيف يقر مجلس النواب مادة في قانون العمل دون مناقشتها؟ فالخلل إذاً في المجلس الذي لم يدرس القانون باستفاضة؟ ثم كيف توافق غرفة الصناعة والتجارة دون نقاش ولا سؤال؟ أين استراتيجيتها في تحفيز الاقتصاد؟ ثم نسأل؛ ما علاقة رؤساء التحرير في هذا القرار؟!
إن عجلة الاقتصاد ستتجمد ما لم تراجع الدولة سياستها الاقتصادية وتعيد النظر في سياسة الرسوم التي اتخذتها في السنوات الأخيرة، ولا ندري أسبابها وعلى أي دراسة تم إرساؤها، في ظل عالم يتنافس ويتصارع ويرصد المكافآت في سبيل جذب المستثمرين، وها هي الدول الخليجية تدخل هذه المنافسة بكل جرأة وتحدٍّ، ومنها إمارة دبي، حيث رحب رجال الأعمال في 2009 بقرار إمارة دبي خفض الرسوم الحكومية على المؤسسات الاقتصادية، واعتبروها خطوة شجاعة وجريئة تسهم في التخفيف من الأعباء المالية على الشركات العاملة.
حيث طرحت شركات تطوير حكومية في دبي عروضاً وتسهيلات لتشجيع الاستثمار الفندقي واستقطاب المستثمرين لمعرض «أكسبو 2020»، ووجه الشيخ محمد بن راشد بتخصيص حوافز اقتصادية ومنها إلغاء رسوم تغيير عرض استغلال الأرض لصالح الاستخدام الفندقي، وتمديد الإعفاء من رسوم المبيعات لجميع الفنادق من فئتي 3 و4 نجوم. ليست فقط إمارة دبي بل إن السعودية تقدم أيضاً حزماً من التسهيلات وإزالة العقبات وتخفيف الأعباء المالية على المستثمرين، كذلك قطر وعمان، حيث تطرح كل يوم حزماً من التسهيلات وإزالة العقبات أمام المستثمر.
أما البحرين فتسارع لمضاعفة القيود على المؤسسات الاقتصادية، وذلك حين فرضت الضرائب، فأصبح رجال الأعمال يضربون أخماساً بأسداس كي يوفروا أجور العمالة ودفع الضرائب المتراكمة، وقادت بعضهم لدهاليز المحاكم وآخرين للسجون، وها نحن نرى مؤسسات قديمة قد اختفت من السوق، فلا نرى لها علامة ولا ذكراً بسبب إفلاسها أو بسبب رحيلها لدول مجاورة لا يوجد فيها مفتش هيئة سوق العمل يتقصدها ولا فواتير شهرية ترسل لها، ولا تهديد بإلغاء تراخيص عمالها أو سحب سجلاتها.
إن فرض الرسوم على المؤسسات قد أهلك أصحاب الأعمال وعزفت نفوسهم عن الاستثمار، والدولة إلى اليوم لم تراجع سياستها الاقتصادية التي لم يمتدحها مواطن ولا تاجر، رغم تصريحات المسؤولين بتشجيع الاستثمار وتذليل العقبات، في الوقت الذي تصر فيه على فرض رسوم خيالية يذهب مردودها لأنشطة صيفية ودعم محلات سمبوسة وكوافير، ومؤتمر ليوم واحد تفوق كلفته 100 ألف دينار، وغداً لا يستبعد أن تفرض رسوماً على الرعاية النفسية والبيئية.
نقول للدولة بأنها إذا كانت تعتقد أن التسهيلات هي سرعة إنجار المعاملات عن طريق المواقع الإلكترونية، فهذا لا يعتبر حافزاً قوياً، حيث كان يتم ذلك في السابق من خلال مخلص أو موظف، ولم يكن يوماً عقبة، إنما العقبة الحقيقية هي ارتفاع الضرائب على أصحاب الأعمال، ونكرر ستبقى الدولة هي الفيصل في تحديد المستقبل الاقتصادي؛ فإما أن تنقذه بقرارات شجاعة وجريئة أو تكون رسوم الرعاية الصحية الرصاصة القاضية، بعد رصاصة رسوم هيئة العمل التي أصابت قلب الاقتصاد.