كيف نخلق معارضة معتدلة؟ سؤال مهم ومعتدلة لا تعني مدجنة ولا تعني متهاونة ولا تعني متساهلة في الرقابة وفي التعبير عن الرأي وفي العمل الحزبي السياسي.
معتدلة بوقوفها مع الجميع أي مع جلالة الملك وشركاء الوطن على ثوابت ما جاء في الدستور، وتبني معارضتها مما يليه وترفعها إلى ما تشاء إلى أرفع سقف، حتى وإن طال سلوك فرد من العائلة الخليفية أياً كان مركزه فالعائلة جزء من النسيج البحريني الأصيل ولا أحد من هذا النسيج فوق القانون، ترفعه حتى وإن طال الحكومة بمن يرأسها حتى إن طال أياً من الوزارات وإن كانت سيادية، وإن رأت أن في الدستور حاجة إلى تعديل بعض نصوصه فإنها تلتزم بآليات الدستور وتعمل من خلالها على توافر الإرادات الشعبية مع شركاء الوطن وتمضي قدماً بعرض أفكارها.
لا أحد سيزايد على هذه المعارضة ويتهمها بالتهاون أو بالتساهل، إنما اعتدالها جاء من التزام حراكها بالأطر الدستورية واعتدالها جاء من التزامها بظروفها الآنية وهي ظروف جيدة سقفها يسمح بمرونة الحركة والمناورة السياسية.
نقول للسلطة إن خلق هذه المعارضة يترك للحراك الطبيعي لقانون العرض والطلب السياسي في المجتمع، ولتبتعد هي عن المساس به، لتنشغل هي بتحسين أدائها فحسب كي تمنع الشطط في الاعتراض عليها، هذه هي حدود ملعبها.
أما إن كانت السلطة تستخدم التقرب من بعض الوجوه المعروفة دولياً لتلميع نفسها دولياً وتظهر بمظهر السلطة المتحضرة التي تتعاطى مع معارضيها باحترام، فإن الداخل لا يستطيع أن يجاري هذه المسرحية السمجة، لأن ذلك المشهد يظهر أعضاء السلطة كالمنافقين الذين يتبادلون هم و«المعتدلون» لعب الأدوار وكل منهم يضحك على الآخر، والحقيقة أن من يراقب المشهد عن بعد يضحك على الاثنين، في النهاية لا يستحق «مكسب» احترام الغرب أن «نخسر» احترام الداخل فذلك ثمن باهظ وباهظ جداً جداً جداً.
أما المصيبة إن كانت السلطة فعلاً مقتنعة وتصدق أن هناك وجوهاً معتدلة عند من رفع «باقون حتى يسقط النظام» هنا المصيبة التي لا يمكن إصلاحها.
سمة «الاعتدال» لم ولن تكون متوافرة مع من رفع شعار «باقون حتى يسقط النظام» بكل درجات «الرفع» بدءاً ممن رفع راية الجمهورية الإسلامية في الدوار وانتهاءً بمن رفع راية الترويج والتحريض والتمجيد لإرهاب الإرهابيين الساعي لإسقاط الدولة ومروراً بمن كذب وفبرك وغير الحقائق حتى اللحظة ساعياً عن سبق إصرار وترصد لطعنك المرة تلو الأخرى بعد أن تنعم بحقوقه وامتيازاته كمواطن خرج لجميع المحافل الدولية التي أتيحت له ليقول عن الأسرة الملكية إنهم كالنازيين الذين أحرقوا اليهود وأعادوا البحرين إلى أيام الجاهلية، أي «اعتدال» يرتجى من هذه الأشكال؟ وأي نفاق هذا الذي يتملق ويقرب أصحاب هذا الطرح؟
إن أرادت السلطة أن تظهر بمظهر السلطة التي تحترم وتقبل بوجود «معارضة» سواء أمام الغرب أو أمام مواطنيه، فلتترك الساحة لتختار معارضيها بنفسها، وتنأى هي بنفسها عن التقرب لأي من الوجوه التي دعت وعملت تحت راية إسقاط الدولة.
إن أرادت السلطة أن يحترمها الخارج والداخل فعليها أن تعمل بشكل مستقل ومبتعدة عن وسطاء و«دلالوة» السياسة، أن تعمل على تحسين أدائها وكفى وتركز على ذلك وهي الآن تفعل هذا وتستحق الإشادة عليه بلا تملق، لتركز جهدها هنا إذاً وهو جهد ليس بالقليل، فمظهرها أمام مواطنيها وأمام الغرب على حد سواء يتحسن بتحسن أدائها كسلطات لا بتملقها لتلك الشخوص، ولتتخلَّ عن مهمة «خلق» معارضة معتدلة، فلا تتقرب ولا تقرب أياً من الوجوه حتى تلك التي أعلنت وقوفها مع الدستور الأمر سيان، دعوا ملعب المعارضة ليكون مقصوراً على الحراك الشعبي هو الآن بحاجة أن يتحرك بفعل تدافع القوى السياسية الطبيعية كي يملأ بنفسه الفراغ الموجود حالياً حتى لو استغرق الأمر لسنوات.
لا تخسروا كل مكسب تحققونه بتحسن أدائكم التنموي بسوء أدائكم السياسي.