وقفت أمام المنصة لتتكلم عن إحدى نساء المحرق، فقالت: «في فترة الثلاثينات ولدت بنت اسمها عائشة كانت تحب الدراسة كثيراً، درست عند المطوع وكانت محظوظة بين بنات جيلها، لأن الكثيرات لا يلتحقن بالمدرسة، فالتحقت بالمدرسة ثم تخرجت لتتزوج ابن عمها وأنجبت منه عدة أبناء آخرهم بنت اسمها فاطمة. ابنتها الصغرى فاطمة كانت تحب العلم ولديها طموح وتمكنت من إكمال دراستها والحصول على بعثة في كندا، وأكملت دراستها حتى نالت شهادة الدكتواره واجتهدت في عملها بوزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين حتى عينت وزيرة للتنمية الاجتماعية، الفرق بين عائشة وفاطمة أن عائشة كان لديها طموح، لكن الظروف والبيئة لم يمكناها من تحقيق حلمها فأصبحت ربة منزل، أما فاطمة فقد حصلت على مختلف الظروف التي مكنتها من قطف أحلامها».
المتحدثة كانت وزيرة التنمية الاجتماعية السابقة الدكتورة فاطمة البلوشي، وقد استعرضت هذه القصة خلال لقاء وحفل تكريم نظمته جمعية الخالدية الشبابية بالتعاون مع نائب رئيس بلدي المحرق بمناسبة يوم المرأة العالمي.
عندما نتأمل قصة «عائشة» و«فاطمة» نكتشف في واقعنا الحالي أن هناك أكثر من عائشة وفاطمة، ولا يعني تغير الزمن وتطوره أن الظروف التي تعيق المرأة من قطف أحلامها تلاشت، بل إن الظروف وتحديات المرأة موجودة ولكنها مختلفة، والمقلق أنه في بيئات العمل المختلفة يوجد الكثير من عائشة والقليل من فاطمة، وهذا ما لا نريده.
إن شعارات تمكين المرأة لا يجب أن تكون عناوين براقة دون التأكد من وجود قنوات تعمل على تطبيقها، ودون دراسة كافة المعوقات التي تمنع تحقيق هذه الغاية بحيث تتكاثر «عائشة» أخرى مقيدة بالظروف وبيئة العمل التي تتواجد بها.
المرأة البحرينية مرآة للإبداع والتميز والإنجاز، لكن التميز والإبداع له شروطه وقوانينه، أهمها أن تكون هناك بيئة قادرة على إظهار إمكانيات المرأة وإبداعها وإزاحة كافة المعوقات التي تعطلها، فمهما بلغ اجتهاد المرأة وطموحها وحتى قوتها وصلابتها فقد تتحطم إن وجدت بيئة عمل غير صالحة لنمو إبداعها، خاصة إن كانت الحروب تشن عليها من الداخل والخارج، ولديها بجانب تحديات عملها تحديات أخرى في بيئة هي غير مسؤولة عنها.
المرأة كالوردة الجميلة إن وضعت وسط صحراء قاحلة ستنبت من إبداعها جمالاً، لكن شرط أن يكون تحديها القائم «خارجياً»، تحديها أن تبدع في عملها وأن تتميز وأن تستخرج قدراتها وطاقتها وأن تحول الصحراء القاحلة إلى حديقة من ورود الإنجاز، التحدي الخارجي أن تبرز اسم المؤسسة التي تعمل بها ويكون صراعها في التنافس مع إنجازات المؤسسات الأخرى ومحاولة التفوق لإبراز تنمية الوطن وتطوره، وإن وجدت في بيئة مظلمة تحاربها من الداخل وتحاول اقتلاع جذورها وكسر أغصانها والنيل منها فستجدها تنكفئ على نفسها وتحاول حماية نفسها، فسيكون التحدي هنا «داخلياً»، وهو محاولة الحفاظ على نفسها من الإيذاء وضمان حقوقها الوظيفية لا البناء والتنمية والتعمير، وقد تنشغل بالصراع الداخلي عن الإنجاز الخارجي، ومهما بلغت قوتها وصلابتها «فالكثرة تغلب الشجاعة» وكثرة الأعاصير والزوابع قد تذبل أغصانها وتكسرها أو تميت جذورها الصلبة لتجد نفسها قد انشغلت عن طموحاتها، وعليها أن تختار بأن تواصل تسخير كل قواها للحفاظ على نفسها أو الاستسلام والبحث عن أرض أخرى للنمو.
قد يكون المثال أعلاه سبب تأخر ركاب المرأة في الكثير من قطاعات العمل بالدولة، سابقاً كان يقال المرأة عدوة للمرأة؛ إلا أن الوضع الحالي قد تغير وأصبحت هناك ظاهرة «الرجل المرأة»؛ والمقصود به الرجل الذي لديه مكر الرجال ويكيد للمرأة في العمل بكيد النساء، وهو تحد صعب قائم على المرأة قد يؤطره النظام ويحفظها القانون ولكن سيكون حظ المرأة سيئاً جداً إن وجدت في بيئة عمل يغيب عنها نظام إداري وقانوني لا يفعل ليكون سنداً لها في مواجهة هذه الحروب وتجد خصومها الرجال أشد كيداً من النساء.
المرأة في الدول المجاورة تقدمت وتميزت، وأصبح صراعها كيف تتفوق على بنات الخليج لتكون في الصدارة، مع توافر قانون يكفل حقوقها ويوفر لها غطاء الأمن الوظيفي الذي يكون كقنديل النور الذي يضيء طريقها وهي تكافح في ساحة العمل، أما عندما ينطفئ هذا النور أو يأتي من يطفئه عمداً فهنا المرأة تتخبط وتضيع وتضطر لاختصار مشوارها المهني بالاستقالة والتقاعد المبكر والانسحاب من ميدان العمل، وهذا ما نلاحظه عند الكثير من نسائنا، وتلك حقيقة غير ظاهرة عند كبار المسؤولين إنما تدرك عندما نجد كثيراً من النساء يفكرن أمام العوائق الصلبة بالانسحاب منعاً لتكرار تجارب الأخريات اللواتي قاومن فاكتشفن أنهن سيضيعن وقتاً طويلاً من أعصابهن وصحتهن دون فائدة وأن الانسحاب من بيئة العمل التي تعيقها هو أبسط الحلول وأسهلها.
إن أهم التحديات التي تواجهها المرأة البحرينية التصدي للحرب الممارسة ضدها من قبل رجال «يغارون» ويحفرون لها، ولا يوجد قانون أو تنظيم إداري يردعهم من التطاول عليها ومهاجمتها، التحدي القائم للمرأة عندما تتواجد في بيئة عمل تكثر فيها ظاهرة البطالة المقنعة، فهنا تعاني إلى جانب كيد النساء لها من كيد الرجال، نعم هناك حقوق كثيرة حصلت عليها المرأة، وإذ إننا لسنا مع موضوع مساواة المرأة مع الرجل في كل شيء إلا أنها فعلاً تساوت أمام القانون معه، إلا أن المعضلة الحقيقية عندما نجد المرأة تعاني من استغلالها أسوأ استغلال دون أن تدرك حقوقها الوظيفية أو تسلب منها دون دراية.
الدكتورة فاطمة البلوشي قالت: «أثبتت التجارب والدراسات أن الأخطاء الإدارية والتجاوزات عند النساء عندما يستلمن مناصب قيادية أقل من الرجال»، وقالت الكاتبة أميرة صليبيخ وهي تستعرض تجربتها المهنية: «أحياناً تضطر المرأة وهي تعمل إلى اقتلاع الأشواك من طريقها وفي أحيان أخرى تضطر للدوس على الشوك لكي تسير».
في يوم المرأة العالمي نوجه تحية لكل امرأة مكافحة، سواء كانت تحدياتها داخلية أو خارجية، ونتمنى من الجهات المهتمة بتمكين المرأة أن تعمل على إزالة الشوك من طريق النساء في الواقع المهني حتى تكون حياتهن المهنية بلا أشواك، ولكي يخرجن من شرنقة ظروف بيئة العمل إلى سماء الإبداع والعطاء.