قبل ثلاثة أيام حطت طائرتا شحن عسكريتان تركيتان في العراق محملتين بمواد عسكرية، بصيغة مساعدات مقدمة من الحكومة التركية إلى الحكومة العراقية، فكان الخبر مصدر ارتياح وفرح للحكومة العراقية وميليشياتها، بينما كانت مصدر قلق وخيبة أمل لأغلب العرب السنة في العراق.
قليل من الناقمين على تركيا نتيجة هذه المساعدات يعتقدون أن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» يمثل السنة ويدافع عنهم وهذه المساعدات موجهة للتخلص منه، أما غالبية السنة فلا يعتقدون ذلك لكنهم ينظرون إلى الموضوع من زاوية أخرى، فهم يرون أن هذه المساعدات ستذهب إلى الجيش والميليشيات الشيعية التي تخوض المعارك مع «داعش» لكنها لا تقتل إلا المدنيين العزل في المحافظات التي دخلتها ولأسباب طائفية بحتة، وبالتالي ستكون هذه المساعدات أحد أدوات قتلهم، هذا بالإضافة إلى أنهم أصيبوا بخيبة أمل فهم يعتقدون أن تركيا هي عمقهم بعدما خذلتهم الدول العربية وتركت إيران تستبيح أرضهم وديارهم، وأنه ربما ستقف معهم ليستردوا حقوقهم ويرفعوا الظلم عنهم، فذهب المحللون في تفسير هذه الحركة تفسيرات عدة، منهم من رأى أن تركيا لا تتبع إلا مصالحها ولو كان ذلك على حساب العرب السنة الذين يذبحون يومياً في العراق، ومنهم من ذهب إلى أن هذه المساعدات هي أشبه بذر الرماد في العيون لتصرف أنظار الغرب عنها وتثبت للعالم أنها ليست متواطئة مع «داعش» كما تتهم اليوم، ومنهم من رأى أنها تعتبر طرفي النزاع أعداءها ومن مصلحتها تقديم الدعم والمساعدة لكلا الطرفين حتى ينهكوا وتضرب عصفورين بحجر واحد، وهناك من ذهب إلى أن تركيا لا تريد لإيران الاستحواذ على الحكومة العراقية بالكامل فأرادت الدخول على الخط لتخفف من حدة التأثير الإيراني أو تجعل هناك موازنة فيه، ولا شك أن هذه آراء قيمة ومحترمة لكن إذا عرفنا طبيعة المواد المرسلة التي حملتها الطائرات قد تتغير الصورة.
ذكرت الحكومة التركية أنها أرسلت مساعدات عسكرية لكن ليس بينها أسلحة وتبين فيما بعد أن الطائرات حملت معها بطانيات وخوذ وأكياس للنوم، وهذه مواد تصلح لأشخاص ينوون الذهاب في رحلة سفاري يخيمون فيها في البرية، لا أشخاص يقاتلون أعتى جماعة في العالم، هذا بالإضافة إلى تصريح رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو قبل يومين عندما قال إن تركيا لن تشارك في المعارك ضد «داعش»، وسنقدم الدعم في الموصل دون الدخول في مواجهات عسكرية ويجب ألا تبقى الميليشيات الشيعية هناك وأن يكون الجيش والشرطة من السنة.
وفق هذه المعطيات يمكن تفسير هذه المساعدات على أنها مبادرة ورسالة إلى الحكومة العراقية تقول إن تركيا يمكن أن تقدم الدعم الأكبر وتتدخل لكن بشروطها وأهمها أن الموصل - وربما معها باقي مناطق العرب السنة - لا تكون خاضعة لإيران وتحت نفوذها فهذه مناطق تحيط بها وتأمين تركيا يستوجب تأمين محيطها المتمثل بمناطق العرب السنة في العراق.