«السيد» و«العبد» واقع غريب عاشه الإنسان على هذه الأرض منذ بداية عصر الرق وإلى الآن وبأشكال متعددة، وأسوؤها أن يملك السيد العبد وكل ما يملك؛ زوجته، بناته، روحه، يبيعه إلى غيره. حتى جاء الإسلام وحرر العبد من عبوديته وحوله إلى إنسان كامل الحرية، بل إلى أن يكون الرجل الذي يحلم أن يكونه، فكان بلال بن رباح أحد العبيد الذين اشتراهم الصحابي أبو بكر الصديق وحررهم، فتحول هذا العبد الذي كاد أن يموت تحت تعذيب أبي جهل، إلى واحد من أقرب المقربين إلى الله سبحانه وتعالى بعد الرسول العظيم، فهو الذي ينادي للصلاة، فيستجيب له الكريم محمد وأصحابه، وهو واحد من الذين ذكرهم النبي بأسمائهم، فقال وهو يحن إلى الصلاة «أرحنا بها يا بلال».
عن بلال المحبة وعن بلال الحرية وعن بلال السلام، والذي يعتبر أحد الشخصيات المهمة في تاريخنا العربي والإسلامي، تم مساء الخميس قبل الماضي في مدينة جدة العرض الدعائي للفيلم الكرتوني «بلال» والذي يتحدث عن قصة سيدنا بلال رضي الله عنه.
منتج هذا الفيلم هي شركة (بارجون أنترتيمنت) وهم شباب سعوديون محترفون عملوا لفترة طويلة (عشر سنوات) على الفيلم، حيث استغرق العمل على السيناريو سبع سنوات ومن ثم بدؤوا بالتنفيذ قبل ثلاث سنوات.
معروف أن أكبر شركتين للإنتاج الكرتوني هما «ديزني بكسار» و«دريمز وورك» وهاتان الشركتان تستخدمان برامجها الخاصة للإنتاج.
عندما عرض الشباب السعوديون السيناريو على المنتجين الأمريكان انبهر المنتجون بشكل كبير وشككوا بقدرتهم على إنتاج الفيلم وطلبوا منهم إنتاج مقطع معين من السيناريو تم تحديده من قبلهم، وفعلاً أنتج الشباب المقطع المطلوب وأرسلوه لشركة «دريمز وورك»، وكان ممن رأى المقطع الممثل ويل سميث الذي قرر على الفور التعاون مع الشباب لإنتاج الفيلم، وهو الآن معهم منذ بدأ الإنتاج.
فوجئ الشباب بطلب أحد مؤسسي شركة «دريمز وورك» رؤيتهم وتوقعوا أنه سيعرض عليهم الشراكة أو الاستحواذ على شركتهم، كعادة الشركات الأمريكية مع الشركات الصغيرة، وتم اللقاء في دبي، وفوجئ الشباب بأن الهدف من اللقاء كان بسبب شكه بأنهم استخدموا أحد برامج شركة «دريمز وورك» لإنتاج المقطع، وبعد نقاش اقتنع بأن الشباب استخدموا برامجهم الخاصة.
الفلم منتج باللغة الإنجليزية (سيتم ترجمته إلى العربية) لأن الفئة المستهدفة المجتمع الأمريكي، خاصة أن المعاني الموجودة في قصة سيدنا بلال رضي الله عنه يفتقر لها المجتمع الأمريكي، حيث كيف يمكن (لعبد) أن يصبح سيداً في قومه، الفيلم مميز ودقيق بتفاصيله من كل النواحي (الرسم، الألوان، الحيوانات، الموسيقى، الإخراج).
فيلم بلال، من خلال التقرير الصحافي وما وصل إلينا من خلال الإعلان عنه مصوراً، أراه واحد من التجارب السينمائية التي لا بد لنا من الوقوف أمامها، لأنها تطرح العديد من الأمور التي نراها رؤية العين، أولها قصة التحدث مع العالم من خلال الصورة السينمائية المعبرة والتي تتكلم مباشرة مع المشاهد الأمريكي والأوروبي والمختلف دينياً مع الدين الإسلامي، وثانياً من خلال فيلم الكرتون الذي اعتبره نوعاً من أنواع القصة الشعبية المصورة والتي تصل إلى قلب الأطفال وتسكن عقولهم، وثالثاً موضوع مجموعة من الشباب كانوا يملكون الحلم، فوضعوا أمامهم الهدف وساروا فيه دون أن توقفهم مجموعة العراقيل التي قد تعترض أي حالم من الحالمين في عالمنا المعاصر.
فيلم بلال، كما أرى، لا بد أن تتبعه مجموعة من الأعمال السينمائية، سواء الروائية أو الكرتون، من أجل إيصال أفكارنا وأحلامنا طموحاتنا إلى العالم الذي يحيط بنا، وإذا كان الفنان الكبير لم يستطع أن يحقق أحلامه الكبيرة في إنتاج أعمال ضخمة بسبب عدم حصوله على الدعم من الأنظمة العربية، فإن على الأنظمة الآن أن تسارع بدعم القائمين على إنتاج فيلم بلال وغيره من الأفلام الروائية، وفتح نوافذ جديدة ليقدم شبابنا العربي ما يملك من طاقة إبداعية قادرة على تغيير نظرة الآخر إلينا كعرب وكمسلمين. فهل نرى نظاماً يقوم بدعم هذه الطاقات؟! أنا أحلم بذلك.