مشروع محاربة الثيوقراطية الذي قدمه سمو ولي العهد مؤخراً مشروع أكبر من محاربة الإرهاب الذي ينتهجه العالم الآن باعتباره خياراً استراتيجياً بدلاً من الخيار الذي يكرره العالم من جديد في حربه مرة أخرى على الإرهاب.
محاربة الثيوقراطية تستهدف اجتثاث جذور الإرهاب ومسبباته وعوامله، في حين أن محاربة الإرهاب تستهدف الجماعات والأنشطة الإرهابية القائمة وكذلك أنشطة التمويل.
الإشكالية القائمة في محاربة الإرهاب دولياً منذ العام 2001 وحتى الآن تتمثل في تجاهل الأيديولوجيات الثيوقراطية المتطرفة، فالمحاربة تستهدف تنظيمات وأشخاصاً وأموالاً وأنشطة فقط دون استهداف الأفكار التي تعد الأخطر في العملية برمتها.
بعيداً عن التحليلات المتعددة والمتعمقة بشأن تطور الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، فإنه يمكن تحليل تطور هذه الجماعات من تنظيم القاعدة في تسعينات القرن العشرين إلى تنظيم داعش في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بأنه ناجم عن تجاهل الأيديولوجيا الثيوقراطية المتطرفة التي قادت لهذه الجماعات، ومن الممكن أن تقود إلى مزيد من الجماعات خلال الفترة المقبلة حتى وإن تمكن العالم من القضاء على داعش.
مشكلتنا في الشرق الأوسط استمرار صعود جماعات ثيوقراطية داخل الأنظمة السياسية، وصارت هذه الجماعات أداة لتنفيذ الأجندات الإقليمية والدولية. والسماح لهذه الجماعات بالعمل تحت مظلة مؤسسات المجتمع المدني أو الأحزاب والجمعيات السياسية لم يعد مقبولاً باسم الحقوق المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذه الجماعات بأيديولوجياتها المتطرفة باتت أدوات لهدم الديمقراطية ومحاولاتها وتجاربها المتعددة.
ما تحتاجه البحرين وكذلك الدول العربية التي تشهد بيئة إقليمية غير مستقرة، وكذلك المجتمع الدولي حملة دولية مناهضة للجماعات الثيوقراطية المتجذرة في المجتمعات.
ومن المهم هنا -إنصافاً للتاريخ- أن نتذكر كيف واجه الغرب مثل هذه الجماعات الثيوقراطية على مدى قرون، وكيف أن بعضها حاول فاشلاً إقامة دول ثيوقراطية في القارة الأوروبية وفي الولايات المتحدة نفسها. تلك التجارب القديمة تستدعي الرجوع إليها الآن لنخرج بحقيقة واحدة، أن الغرب الذي أسس ديمقراطيته وفق رؤيته الخاصة وبما يتناسب مجتمعاته لم يحقق ذلك إلا عندما حارب الجماعات الثيوقراطية لأنها جماعات متطرفة، ولن تسود الديمقراطية في الشرق الأوسط في ظل وجود جماعات ثيوقراطية تنشر تطرفها وإرهابها هنا وهناك باسم الدين والمذهب، فلا ديمقراطية بثيوقراطية، ولا ثيوقراطية مع ديمقراطية، خياران لا ثالث لهما أمام مجتمعات المنطقة، وحان وقت الخيار فلا مجال للتأخير أمام تطرف وإرهاب.