«العراق يكرم أسر مقاتلين إيرانيين قضوا في محاربة داعش»، هذا العنوان الذي نشر في فبراير الماضي كان لافتاً ومثيراً وصادماً، لأنه يتضمن إقراراً بدور إيران في دعمها محاربة تنظيم داعش، وإقراراً بأن العسكريين الإيرانيين المتواجدين في العراق وفي سوريا ليسوا جميعهم في «مهام استشارية»، كما تدعي إيران، وإنما يشاركون في المعارك. هذه المعلومة برزت مع تنظيم الحكومة العراقية احتفالاً في بغداد لتكريم أسر جنود إيرانيين قتلوا في العراق بعد مشاركتهم في محاربة ذلك التنظيم، ومنحهم أوسمة.
في الخبر أن أفراداً من عائلات المقاتلين الإيرانيين وعسكريين ووفوداً حضروا الاحتفال الذي أقيم في بغداد لتكريم مقاتلي «سرايا الخراساني»؛ «وهي ميليشيا عراقية شيعية شكلت عام 2013 لمقاتلة متطرفين في سوريا والعراق استجابة لدعوة المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي الخامنئي».
وفي الخبر أيضاً أن نائب قائد «سرايا الخراساني» حامد الجزائري قال لرويترز إن «القوى الإيرانية والحكومة الإيرانية والمجاهدين الإيرانيين هم الذين دعمونا منذ البداية»، وقال أيضاً «مازال دعمهم مستمراً، ودماؤهم تختلط بدمائنا».
وفي الخبر كذلك أن شقيق القائد العسكري الإيراني حميد تقوي الذي قتل في معركة بسامراء في ديسمبر الماضي شارك في الاحتفال وأنه عبر عن فخره بشهادة أخيه.
المعلومات الثابتة الآن هي أن إيران أرسلت تعزيزات إلى العراق لمساعدته في صد تقدم «داعش» نحو بغداد بناء على طلب من الحكومة العراقية وزعماء شيعة، وأنه إلى جانب «سرايا الخراساني» هناك ميليشيات شيعية أيضاً منها «عصائب أهل الحق» و«فيلق بدر» وكتائب «حزب الله»، وكلها مدعومة من إيران، وأن المسؤولين العراقيين والأكراد يقدرون عدد المستشارين الإيرانيين في العراق بما يتراوح بين مائة وعدة مئات «لا يوجد تقدير لعدد الجنود الإيرانيين المشاركين في المعارك والمتواجدين في العراق.. وفي سوريا».
وهكذا أتى اليوم الذي أقرت فيه الحكومة العراقية بتواجد قوات إيرانية في العراق وفي سوريا، فالأمر يصعب كتمانه أكثر من هذا، خصوصاً وأن العمل صار على المكشوف.
ربما ليس سيئاً أن تشارك إيران بقواتها في محاربة تنظيم داعش الذي صار على الجميع محاربته، لكن القصة ليست هنا ولكنها في مسألتين؛ الأولى هي أن العراق وسوريا وإيران ظلوا طويلاً ينكرون وجود قوات إيرانية في العراق وسوريا، والثانية هي أن هذه القوات تحارب جنباً إلى جنب مع الجيشين العراقي والسوري، وهذا يعني أن إيران تمكنت في السنوات الأخيرة من التغلغل في هذين البلدين إلى درجة أنها لم تكتف بتوفير مستشارين عسكريين يؤتى بهم بناء على اتفاقات عسكرية وإنما وفرت جنوداً وأسلحة، وبالتأكيد أموالاً، ولمثل هذا السلوك في ساحة العمل السياسي تفسيرات كثيرة ليس أولها وجود علاقة سرية بين إيران وهذين النظامين على وجه الخصوص تتيح لإيران التدخل بطريقة أو بأخرى في قراراتهما، وهو ما يعني تدخلها في الشؤون الداخلية لبلدين «مستقلين»، وليس آخرها التضامن في حرب طائفية متوقع أن تشمل المنطقة برمتها فتأكل أخضرها ويابسها.
تواجد قوات إيرانية في العراق وسوريا يوفر للآخرين المبررات للتواجد بقواتهم أيضاً، وتواجد هذه القوات وتلك يعني أن العراق وسوريا، وقبلهما لبنان وبعدهما اليمن، اختيرت لتكون ساحات حروب طويلة الأمد من شأنها أن تضر باستقرار المنطقة وتهدد مستقبلها، فالحرب في هذه البلدان اليوم ليست للظفر بالأرض وإنما هي حرب طائفية بالدرجة الأولى تتيح للمنتصر فيها فرض إرادته وفكره ومذهبه، وإلا لماذا هذه الاستعراضات العسكرية المتكررة في مضيق هرمز والإعلان بين الفينة والفينة عن أسلحة جديدة؟ ولماذا أيضاً اهتمت تركيا بإعطاء مثال عن قدرتها على التدخل العسكري في العراق تحت ذريعة إنقاذ مقام مقدس؟