مع كثرة النقاش القائم حول أسباب إيقاف قناة «العرب» ومن ثم إغلاقها؛ لا بد من تسمية الأسماء بمسمياتها الصحيحة وتوضيح الحقائق، خاصة لأولئك الذين ما «تعبوا نفسهم وايد» وفقهوا أبعاد الموضوع ليتم تحويره لأبعاد ومنحنيات أخرى، وبالأصل تميزت مملكة البحرين وهي تشرع وتفتح أبواب الديمقراطية والحرية من خلال المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
وللتذكير؛ ففي عام 2010 قررت هيئة الملتقى الإعلامي العربي منح جلالة الملك للجائزة العربية للإبداع الإعلامي عن «روح المبادرة الإيجابية تجاه دعم الحريات الإعلامية''، نظراً لما أثمرت عنه سياسات جلالته في دعم الحريات الإعلامية التي انتهجتها المملكة منذ توليه الحكم، وهو خير دليل يستشهد به أمام من ليست له ثقافة في تاريخ البحرين الإعلامي وفضاء الحرية اللامحدود فيه.
إن التعريف الحقيقي لمن ادعت هذه القناة أنها ستستضيفهم تحت مفهوم المعارضة أو الرأي الآخر كداعش، لا يمكن أن يتجاوز مفهوم «الخلايا الإرهابية»، وكان الأحرى بها أن تجتهد أكثر في فهم المجتمع البحريني، هذا من باب حسن الظن طبعاً، والأكيد أنها «فاهمته وفاهمة» قضية البحرين وخالصين منها أصلاً، فبدءاً من جمعية قامت بمحاولة الانقلاب على الحكم ورفع شعارات ارحلوا للمكونات الأخرى من المجتمع البحريني المتعدد الأطياف، ومباركة بعض «معمميها» عمليات القتل والحرق والتخريب، بل توجيه دعوة «اسحقوهم» لإهدار دم رجال الأمن ثم يأتي من يحاول لصق مفهوم المعارضة فيهم وتعريفهم للعالم بذلك، رغم أن المعارضة كمفهوم أسمى وأرقى بكثير من هذه التجارة الإرهابية التي يقومون بها، فهي تكون كما المرآة للوطن التي تعكس كل السلبيات والإيجابيات، لا أن تتبنى فكر تأسيس السلبيات وهدم المجتمع وسرقة الوطن وتاريخه.
وما ادعته القناة من تغطية المظاهرات على حد زعمها «استعباط» لأن ما يجري في الشوارع ليس مظاهرات إنما عمليات إرهابية ولعبة تقودها أطراف متعددة، ولو قامت بها في أمريكا أو أوروبا «لذهبوا وراء الشمس ولا حس ولا خبر»، ثم ستخبرنا لاحقاً بأنهم في معتقلات غونتانامو.
البحرين بنظامها القائم وبمؤسساتها الإعلامية ليست ديكتاتورية الاتجاه وليست ذات لون إعلامي واحد، فما تنشره الصحافة خير دليل على تعددية الإعلام، كما أن ما تتداوله جميع وسائل الإعلام بما فيها وسائل الإعلام الإلكتروني وأدوات التواصل الاجتماعي، حيث أكدت الإحصائيات أن شعب البحرين من أكثر شعوب الدول العربية استخداماً لهذه الأدوات والإنترنيت بشكل عام، حقيقة واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء ولا يجب في هذا الموقف إلا أن نختار أن نكون في المربع الأبيض أو الأسود؛ إنما الرمادي الذي حاولت أن تمارسه قناة «العرب» غير مقبول إطلاقاً.
شعب مملكة البحرين عانى كثيراً من البلطجة الإعلامية الدولية الممارسة ضده في عدم كشف الحقيقة وبيان رأيه، كما تبرز آراء الأطراف التأزيمية وسلبت صوره ومواقفه واستبدلت في الكثير من المحطات والقنوات الإعلامية الدولية والإقليمية، وسكت كثيراً وضبط أعصابه وهو يرى ويسمع، حتى بعض وسائل الإعلام العربية والمحلية القائمة على أرضه، وهي تمارس ضده هذا النهج وتسلبه حقوقه من خلال عدم إبراز وإيضاح إلا الرأي الذي يؤيدونه ويريدونه بطائفية صفراء متجاوزين العرف الإعلامي الذي يدعو إلى أهمية التعددية في طرح الآراء والأفكار، وأخلت بموازين المصداقية والموضوعية وكل ذلك «مأخوذ خيره»، لكن أن يصل الأمر إلى محاولة جعل مملكة البحرين تبدو وكأنها دولة تحاول أن «تطز» عينها بيدها و«تطز» عيون أشقائها من خليجيين وعرب، فذلك أمر غير مقبول إطلاقاً ومرفوض؛ أن تكون البحرين على موعد مع حملة إحراج خليجية وعربية وهي تستضيف عناصر داعشية نحروا أعناق إخوة لنا في مصر والأردن أمر مرفوض ولا يقبله أي عاقل.
حتى الدول الأجنبية كأمريكا لن نرى في إعلامها يوماً أن اهتمت بعرض حقائق معتقل غونتانامو، والكل تابع كيف تعاملوا مع موقف قتل الطلبة المسلمين في أمريكا الأخير بدم بارد وبإعلام غير محايد بالمرة.
الشارع البحريني يشتعل غضباً أمام كل مشهد لسقوط شهيد جديد من رجال الأمن، ويعاني من ويلات الإرهاب الذي تحاربه وتنبذه كل الدول، فكيف بقناة تحمل اسم «العرب» وتوقع الجميع أن تبرز الحقيقة لم تناصر في أولى لحظات بثها الإرهاب الممارس ضد العروبة والعرب؟ عندما تتجاوز حريتك حرية الآخرين هنا لا يمكن أن يدخل مفهوم ما تقوم به في قاموس الحرية إنما يأخذ مسميات أخرى خطيرة.
نحن كمجتمع بحريني نرفض أن نعود إلى المربع الأول من حرية الرأي التي تتقاطع مع نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، لا يعني أن أوجد إعلاماً حراً أن أخليه من مسؤولية الحفاظ على المجتمع وأمنه، فما بالك بالمجتمعات العربية كافة التي تغلي اليوم من خطر الدواعش ومشروع المد الصفوي؟
في عام 1947 ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وبعد الحرب العالمية الثانية نظرية المسؤولية الاجتماعية، وقد استهدف القائمون عليها أن تقوم على ممارسة العملية الإعلامية بحرية قائمة على المسؤولية الاجتماعية ووضع ضوابط أخلاقية للصحافة والتوفيق بين حرية الصحافة والمسؤولية الاجتماعية في -ركزوا هنا- المجتمعات الليبرالية، حتى يكون هناك التزام مهني قائم على الصدق والموضوعية والتوازن تجاه المجتمع وتجنب أي دعم أو طرح لأمور تؤدي إلى الجريمة والعنف والفوضى.
من غير المعقول وبعد أن كف العرب شر الربيع العربي وتجاوزوه ودخلوا في محنة الدواعش، وفي هذا التوقيت الحساس جداً أن نجد قناة تظهر لتمارس ربيعاً إعلامياً من نوع آخر، أين المسؤولية الاجتماعية لهذه القناة؟ هل قامت القناة إن كانت تهتم فعلاً بطرح الرأي والرأي الآخر بمسوحات أو دراسات إعلامية قبلها على المجتمع البحريني الذي أرادت التحدث عنه؟ هل سعت إلى أن يكون لديها تميز إعلامي يثري الساحة الإخبارية في العالم العربي من خلال مركز أبحاث إعلامي يوجد لها التحليلات الدقيقة والصادقة الذي يحدد بوصلة مواضيعها وبرامجها؟
كنا نطمح لقناة عرب تصحح المفاهيم المغلوطة عن حقيقة الوضع وتساند حربنا القائمة ضد الإرهاب وعناصره، لا أن تزيد الطين بلة وتطبق المثل الذي يقول «بغيناه عون طلع فرعون!»، من يريد أن يتفرعن إعلامياً لجذب الأنظار له ويربح عليه أن يعيد النظر بأن هناك خطاً رفيعاً جداً بين الحرية البناءة والحرية الهدامة التي حتى الإعلام الغربي لا يتبناها.
إن كان مبرر استضافة أطراف تأزيمية يأتي من باب تعرية حقيقتهم ونقل كلتا وجهتي النظر؛ فسؤالنا أي تعرية والحقيقة واضحة وضوح الشمس؟ اليوم نحن لا نحتاج إلى الحقيقة بقدر ما نحتاج إلى تعديل الحقيقة، نحتاج إلى تعديل الواقع وإصلاحه وتغييره من خلال قنوات تثقيفية لا زيادة الطين بلة، يكفي النبش في جراح البحرينيين والضرب في جروح لم تندمل بعد.
هناك سيادة للدول يجب أن تحترم من منطلق الاتفاقيات القائمة، وهناك حرب عالمية ضد الإرهاب، لذا فوجود قناة تدعم وتواكب اللوائح المنظمة للمجال الإعلامي فيما يخص الحرب على الإرهاب بالطبع مرحب به، ويضيف للساحة الإعلامية، أما أن «نقص على روحنا» ونستبدل الممارسات غير المسؤولة بعبارة و«الله حرية إعلامية»، فذلك أمر يحتاج إلى إعادة نظر في المفاهيم التي نتشدق بها.
- إحساس عابر..
لا نقبل أن يرمي قرار توقيف قناة العرب في مرمى الحرية الإعلامية التي تنعم بها مملكة البحرين والمساحة الديمقراطية، وللعلم النتاج الفكري في المجتمع البحريني منذ عام 1900 حتى عام 1999 لم يتجاوز 1502 اصداراً، بينما خلال 2000 إلى 2009 بلغت عناوين الكتب الصادرة قرابة 1700 عنواناً؛ منها 49 كتاباً سياسياً، مما يعني أننا حققنا قفزات كبيرة جداً في مجال النتاج الفكري الذي يعكس حرية الرأي والتعبير في فترة زمنية محدودة.