أثار انتباهي، وانتباه الكثيرين، فيديو نشر في الآونة الأخيرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حول مليونير كوري يتجول فجر كل يوم في الساحات والمواقف ليلتقط المخلفات الورقية والأوساخ المنتشرة والمتطايرة بفعل الرياح هنا وهناك، بكل ممنونية وروح إيجابية وفرح وابتسامة لا تفارقه، فقط لأنه استقر في البحرين لعدة سنوات؛ فيا ترى ما هو السر في ذلك؟
تتبعت دراسات وبحوث عن الإنسان ومدى تأثيره بالعيش على أرض ما في انتمائه الفطري والغريزي وارتباطه بها، حيث تغرس هذه القيم في الإنسان منذ الصغر، وهذا ما عززته تجربة كوريا الجنوبية حول المواطنة ومفهومها، مما جعل هذا الرجل مثاراً للضجة ومثالاً يحتذى به.
لكن ما هي التجربة الكورية في المواطنة التي غرست في نفس هذا الرجل، وكل مواطن كوري خاض هذه التجربة في بلده؟
بدأت كوريا الجنوبية عقب استقلالها في وضع نظام تعليمي ثوري، يستهدف النهوض من السبات وعلاج العقم الحضاري، وكان أول السلم لتحقيق ذلك هو جعل الطالب يعتز بوطنيته، ويسعى بكل قوة لأن يكون مواطناً صالحاً في خدمة بلاده، إلى جانب اهتمامها بالعلوم والمعارف الحديثة، فقد اهتمت المناهج المعتمدة في جميع المراحل التعليمية، من رياض الأطفال إلى التعليم الثانوي، بعرض مفاهيم وقيم ومهارات الوطنية والمواطنة، مع الاهتمام بالجانبين السياسي والاجتماعي بشكل خاص، وليس من منهج مستقل لدراسة المواطنة، ولكن موضوعاتها تدرس ضمن المواد الاجتماعية، ومن أبرزها؛ التربية الشخصية، التربية الديمقراطية، التربية من أجل الإبداع، التفاهم والسلام.
ونموذج التدريس الموصى به في موضوعات المواطنة، هو المناقشة والحوار وتنمية مهارات التفكير بهدف الوصول إلى؛ القدرة على فهم معنى الأشياء الوطنية الملموسة، القدرة على تمييز اللغة، والرموز الوطنية ذات الأهمية والخصوصية للمواطنين، القدرة على فهم القضايا السياسية، ومعرفة تاريخها وصلتها بالحاضر، القدرة على التمييز بين الحقيقة والرأي، تطوير مهارات صنع القرارات وما تقتضيه من مناقشة بعض القضايا مع الآخرين، معرفة الحقوق والواجبات على نحو يدفع بالمجتمع نحو التقدم، الانخراط والمشاركة في المشاريع والأنشطة التي تخدم الوطن، العمل على إعداد مواطن يحب وطنه وهو آخذ في اعتباره المتغيرات والظروف الدولية، وأخيراً ترسيخ قيم العدالة والمساواة والتسامح والحياة الكريمة.
كل ما سبق كنت أتنمى أن يتم تدريسه في مدارسنا، إضافة إلى المناقشة والحوار وتنمية مهارات التفكير، خاصة أننا مقبلون على تيارات وأحزاب وأفكار متجددة، لذلك يجب إعداد المواطنين ليكونوا سداً منيعاً للوطن في ظل أي ظرف يطرأ على الوطن أو متغيرات أو ظروف دولية.
فالمواطنة الحقة هي التمسك بالقيم والسلوك، أي تربية وأخلاق وتكوين ذوق حضاري وتراث مرتبط بقيم وثوابت المجتمع مع متغيرات الحياة، فهل نحن مع المواطنة الحقة والصحيحة في البحرين؟ سؤال يطرح نفسه، والإجابة بكل أسف لا، فمازالت مناهجنا الوطنية إثرائية ونظرية لا تطبق على أرض الواقع، فالوطنية ليست باحتفال المدارس بالبالونات والرقص ونشر الأعلام ليوم واحد. وماذا عن النشيد الوطني؛ هل مازال يردد بكل حماس، وكم من الطلبة وحتى المدرسين لا يعرف كلماته. هل مازالت المرافق داخل المدارس بدون تخريب؟ هل أعددتم مدربين يكنون الولاء للبلد حتى يكونوا أهلاً لتدريس مادة التربية الوطنية؟ هل أعددتم مدربين لإعداد جيل واثق بنفسة، متحدث، لبق، محب لوطنه. وهل.. وهل.. وهل..؟!