منذ فترة وأنا أرى نفسي أكثر توجهاً للقلب في الحياة التي أحيا؛ بل أكاد أقول إن كل ما تريد أن تحصل عليه وتحققه في حياتك هو في المساحة الموجودة بين النبضة والأخرى، ولهذا أترك العقل للقضايا التي تحتاج إلى حساب ومنطق وتحليل وربح وخسارة، فالقلب كما أرى هو الذي جعل الإنسان إنساناً.
القلب هو الذي تتحرك فيه النبضة في التوازي مع حركة الأرض والمجرات والأنهار والأشجار وذرات الهواء، كل ما يتحرك في الحياة يتحرك مع نبضات قلبك، وإذا كان الكثيرون قبلنا أطلقوا عليه وسموه ذكاء القلب، أو الذكاء العاطفي أو الاجتماعي؛ فأنا أطلق عليه الذكاء الكوني، والذي يحتوي على جميع أنواع الذكاء الأخرى.
فأنت حينما تتلقى كلمة موجعة تشعرها بقلبك وليس بعقلك، ترتفع نبضاتك إلى درجة الاختناق، رغم أن هذه الكلمة ليست لها علاقة مباشرة بجسدك، إلا أن تأثيرها قوي لدرجة أن بعض الناس يحملونها معم حتى نهاية حياتهم، وكلما تذكروها عادوا لنفس لحظة الوجع، إن الكلمات التي نظنها بسيطة وعادية ومكررة ومألوفة هي ليست ذلك، وحينما يساء إليك تنسد نفسك ولا ترغب بالأكل أو النوم أو الراحة.
فالكلمات التي نسمعها ليست من أجل إفهام بعضنا الآخر ما نريد، إنما هي أيضاً تحمل في داخلها طاقات هائلة من الألم والفرح والسعادة والحزن والصعود إلى قمة النجاح والنزول إلى الحضيض.
وأنا أفكر في هذا الموضوع، وصلتني قصة جميلة من الصديق الإماراتي محمد التميمي عبر الوتساب، ولأنها تتكلم عن نفس الموضوع تقريباً وهو أن القلب أكثر قرباً للناس من العقل، قررت أن أشارككم بها، تقول القصة..
قرر أحد الملوك منع النساء في بلاده من لبس الذهب والحلي والزينة، فكانت رد فعل النساء كبيرة حيث امتنعن عن الطاعة، وبدأ التذمر والسخط والاحتجاج، وبالغت النساء في لبس الزينة والذهب والحلي.
اضطرب الملك واحتار، فأمر بعمل اجتماع لمستشاريه وبدء النقاش، واقترح أحدهم التراجع عن القرار للمصلحة العامة، وقال آخر: «لا.. التراجع مؤشر ضعف وخوف، ويجب أن نظهر قوتنا..».
وانقسموا لمؤيدين ومعارضين، فطلب الملك إحضار حكيم المدينة، حيث حضر وطرحت عليه المشكلة، فقال الحكيم للملك: «لن يطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت لا فيما يريدون هم».
فقال له الملك: «وما العمل؟ أتراجع إذاً؟».
قال الحكيم: «لا.. ولكن أصدر قراراً إلحاقياً بمنع لبس الذهب والحلي والزينة للجميلات لعدم حاجتهن للتجمل، واستثناء القبيحات وكبيرات السن من لبس الزينة والذهب لحاجتهن ستر قبحهن».
وبالفعل صدر القرار؛ وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة، وأخذت كل واحدة منهن تنظر لنفسها على أنها جميلة، لا تحتاج للزينة والحلي، عندها قال الحكيم للملك: «لقد أطاعك الناس عندما فكرت بعقولهم وأدركت اهتماماتهم».
ينبغي للقائد أن يتحلى بالحكمة في المواقف التي يرى فيها عدم استجابة ممن تحت يده، أو وصلت معه الأمور إلى طريق مسدود، فيستخير ويستشير حتى يهتدي للصواب وينتقي الكلمات المناسبة للموقف.
يقول ناقل القصة إن صياغة الكلمات فن نحتاج لإتقانه، وعلم نحتاج لتعلمه، لندعو الناس إلى ما نريد من خلال ربط المطلوب منهم بالمرغوب لهم، ومراعاة المرفوض عندهم قبل طرح المفروض عليهم، وأن نشعر المتلقي بمدى الفائدة الشخصية التي سيجنيها من خلال اتباع المطلوب أو الامتناع عنه، فلا شيء يخترق القلوب كلطف العبارة وبذل الابتسامة ولين الخطاب.. وسلامة القصد.
وأنا في هذا العمود أقول لك، وأقول لي، وأقولها لكل عشاق الحياة؛ اختر الكلمة الفاعلة المشجعة المحفزة إلى الأفضل، اختر الكلمة التي تساهم في تفتيت الظلام الداخلي، اختر أجمل الكلمات وانثرها لتعود إليك بافضل منها.