عندما غزا صدام حسين الكويت 1990 واحتلها، تكون حلف دولي لطرد جيشه مع الكويت، وكانت السعودية هي داعية وحاضنة هذه التحالف، وهي المشاركة فيه بفعالية عسكرية وأمنية وسياسية، وكانت مصر في مقدمة الدول العربية التي انضمت لهذا التحالف الكبير. نجح ذلك التحالف بقيادة أميركا، وحرر الكويت من الاحتلال، وكان تحالفاً نموذجياً وفعالاً، وكانت مرحلة تاريخية وخطوة جبارة اتخذتها السعودية بقيادة الراحل الملك فهد رحمه الله. اليوم اختلفت التحديات، وتعقدت المشكلات، ولم تعد الأمور بنفس الوضوح صيف 1990. «داعش» جماعة متشظية مثل نيزك منفجر متناثر في الأرض. نعم هناك تحالف ما ضد «داعش» في سوريا، وهناك تحالف في العراق، ومحاولة تكوين تحالف في ليبيا. لكن الخطر ليس محصوراً بسوريا والعراق، فها نحن نراه في ليبيا، ونيجيريا ومالي واليمن، ويتجند له قتلة من كل أمم الأرض. هذه مواجهة تتجاوز قدرة دولة واحدة، مواجهة تتجاوز الطائرات المقاتلة. فالأمر يتطلب مواجهة شاملة فيها التنسيق العسكري المتكامل، وفيها التخطيط والعمل الاستخباري، وفيها الجانب الإعلامي والثقافي والقانوني والسياسي والاقتصادي (عبر ملاحقة المال الإرهابي) وجوانب أخرى. خلال أسبوع شهدنا حركة نشطة لمواجهة «الدواعش»، لكن غير مترجمة بشكل التحالف الذي شرحناه، خذ لديك زيارة وزير الدفاع الأميركي الجديد لقاعدة «عريفجان» في الكويت ولقاء ضباطه وجنرالاته، وقال الوزير لهم: «داعش لا يشكل خطراً على العراق وسوريا فقط، إنه خطر على نطاق أوسع في المنطقة». قبل ذلك كان لقاء قيادات أركان جيوش أكثر من 30 دولة في الرياض لبحث الحرب على الإرهاب، هذا في الجانب العسكري وفي الجانب المعنوي؛ كان هناك قمة عالمية في واشنطن ضد الإرهاب، ووجه الرئيس أوباما كلمة للقمة، كما كان هناك مؤتمراً دينياً لنفس الغرض في مكة، وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان كلمة مميزة لهذا المؤتمر، وجاء في بيان مجلس الوزراء السعودي التأكيد على أهمية قمة واشنطن، وتثمين مشاركة المملكة فيها، وأن السعودية تشارك في أي جهد دولي «جاد» يسعى لمحاربة الإرهاب. أما الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فوجه مؤخرا كلمة أشاد فيها بوقوف «جل» دول الخليج مع مصر في حربها ضد الإرهاب، خصوصاً السعودية والإمارات، والأردن، ومما قاله السيسي: «اتصل بي الأشقاء العرب، ومن بينهم جلالة الملك عبدالله ملك الأردن، وقام بتقديم التعازي لي شعباً وحكومة وقيادة، وعرض إرسال قوات من أجل مجابهة هذا الخطر (..) إن أشقاءنا في السعودية والإمارات والكويت والبحرين كلهم كان موقفهم نفس هذا الموقف. والشيخ محمد وهو يتحدث معي كان يقول لي: ما هي القوات التي تريدها كي أرسلها لك؛ لأننا معاً، وإن الحاجة إلى توحيد القوى العربية أصبحت أكثر إلحاحاً، لأن التحديات التي تواجه المنطقة والدول العربية تحديات ضخمة جداً». هل حان الوقت لتكوين تحالف عربي «جاد» للحرب على «داعش»، ومن أنجبها؟