ذات يوم حدثني أحد الأصدقاء عن ذكرياته في الجيش عندما كان يؤدي الخدمة الإلزامية في إحدى الدول العربية، وكان من بين قصصه التي لا تخلو من الفكاهة والغرابة أن الضابط أمره ومجموعة من الجنود بحفر حفرة كبيرة لتكون خزان ماء أرضياً، وبعد جهد دام أكثر من ثلاثة أيام تم إحداث الحفرة وفق المقاسات المطلوبة، يومها قال لهم الضابط اذهبوا لتستريحوا اليوم وغداً نعلمكم بالواجب الذي يتضمن المرحلة الثانية من العمل.
في الصباح تجمعوا عند الحفرة فقال لهم الضابط المهمة لهذا اليوم هي ردم الحفرة وإرجاع الأرض إلى وضعها السابق، استغرب الجميع؛ لكن الضابط قال لهم هذه أوامر عسكرية وما عليكم إلا التنفيذ، هذه الحالة تبين أنها تتكرر في أغلب الجيوش العربية في فترات السلم، الهدف الحقيقي من هذه المهمات هو إشغال الجنود بمهام بدنية تجنباً للمشاكل التي قد تنتج بينهم نتيجة الفراغ.
ربما يسأل سائل عن علاقة عنوان المقال بهذه القصة التي سردتها لكم، فالعنوان يتعلق بكوريا الشمالية والتغييرات التي طرأت فيها مؤخراً، ولعل العلاقة بين الاثنين تتبين آخر المقال، في الأيام الماضية حصلت تغييرات في كوريا الشمالية كان أبرزها وأهمها ظهور الزعيم الكوري «كيم جونغ أون» في مؤتمر الحزب الحاكم في بوينغ يانغ بقصة شعر جديدة! نعم لقد فعلها وسرح شعره للأعلى ليمنح نفسه بضعة سنتمترات أضيفت إلى طوله، هذا التغيير الخطير أضيف له تغيير آخر وهو أن الزعيم غير شكل حواجبه أيضاً بعدما قصرها إلى النصف تقريباً! الأمر الذي شغل بعض وكالات الأنباء وتناقلت صورة الزعيم الكوري.
بالتأكيد لن تعجبوا عندما عنونت المقال بالتغييرات الخطيرة إذا علمتم أن هذا الزعيم أصدر في مارس الماضي مرسوماً حكومياً يفرض على مواطني البلاد الرجال أن يقصوا شعر رؤوسهم على غرار قصة شعر زعيم البلاد! هذا يعني أن القضية ليست شخصية وعلى الرجال في كوريا الشمالية أن يحذوا حذو قائدهم، وينشغلوا بتطويل شعورهم وتسريحها للأعلى.
كوريا الشمالية التي تحكم بالحديد والنار تختلف كثيراً عن جارتها كوريا الجنوبية والفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا، والسبب سياسة الاستبداد والقهر في كوريا الشمالية التي انتهت بهم إلى هذه الحالة فقر وفساد وظلم وبطالة وعزلة عن العالم جعلت من شعبها شعباً لا يعرف الإنتاج، وللحفاظ على حالة الانكسار والضعف وضمان عدم تفكير أحدهم بتغيير وضعه، يعمد حاكمهم إلى إشغالهم بهكذا قضايا تافهة يستخف بها الناس ليبقوا طائعين له، تماماً كما فعل الضابط في القصة أعلاه، وهكذا هو الحال في بعض الجيوش العربية التي لا تجيد إلا الانقلابات على حكامها فتشغل الجنود وتفرغ طاقاتهم بما لا ينفع.
لو كان لكوريا الشمالية هدف في خدمة البشرية لما أشغلت الناس في أمور لا تقدم ولا تؤخر، فسواء حلق الحاكم شعره أو غير تسريحته ماذا ستستفيد البشرية؟!