خبر طريف نشر أمس الأول يقول بأن تركيا وضعت وللمرة الأولى معايير لصناعة بقلاوتها الشهيرة.
السبب في ذلك أن بعض التجار هناك يقومون بإنتاج بقلاوة تركية بمكونات غير أصلية بهدف خفض الكلفة، وعليه فإن الدولة رأت بأن هذه العملية تضر بـ«سمعة» بقلاوتها الشهيرة.
وحددت تركيا معايير يجب أن تكون ثابتة لبقلاوتها تتمثل بأن يكون لونها الأصفر الذهبي الشهير، وألا يكون شراب السكر سميكاً، ولا يجب أن تترك إحساساً بالحريق في الحلق، على أن تتفتت في الفم دون الحاجة لمضغ.
ولأجل تحقيق المعايير المطلوبة، فإن الدولة حددت المكونات للوصول لها، بحيث تكون المكونات غير مغشوشة من الطحين والملح والماء وكمية قليلة من السمن والسكر الأبيض إضافة للفستق الحلبي، إذ لوحظ استخدام المخالفين في السنوات الأخيرة مكونات بديلة، فبعضهم استخدم البازلاء مكان الفستق الحلبي، وشراب الذرة مكان السكر الأبيض.
في البحرين لا نصنع البقلاوة، لكننا نصنع أشياء كثيرة أخرى، وللأسف كثير منها لا توجد لها معايير، وإن وجدت هذه المنتجات نجد أن المكونات بعضها إما مغشوش أو مضروب.
يفترض أننا نصنع في البحرين قيادات تقود القطاعات العديدة، لكن للأسف نجد الأداء يتدهور، الاستهتار الإداري يزيد، الفساد المالي يستشري، وما يقدم للناس من خدمات بعضه دون المستوى، ورضا الناس يمضي في مؤشر منحدر، هذا لأن من حملناهم مسؤولية الحفاظ على «السمعة» هم مكونات «مغشوشة»، والغش يكون في النوايا، بحيث إن بعضهم لا يعمل من أجل الناس بل لأجل نفسه، لا يجتهد لتحسين الخدمات بل يجتهد لتحسين صورته في الإعلام.
على الصعيد الإداري نحتاج لمعايير ثابتة تكون مقوماتها مقادير صحيحة، على رأسها الإخلاص، والتفاني، والولاء، وخدمة الناس، والنوايا الصادقة، وحينما نوفر هذه المقادير يمكننا أن نتأكد بأن منتجاتنا ذات معايير وطنية بحسب ما نريدها، وبما يجعل السمعة في تألق وتزايد.
نقول للناس بأن لديكم ممثلين في البرلمان يتحدثون باسمكم، لكن للأسف يكتشف الناس أن كثيراً منهم باعوهم شعارات وفعلوا الأفاعيل للحصول على الصوت ومن ثم نسوهم وتركوا همومهم جانباً، وركزوا على شكل وصورة «صاحب السعادة» وماذا سيركب وماذا سيدخل جيبه من مزايا، وماذا سيبقى له عند التقاعد. هؤلاء مثل البازلاء المستخدمة بدل الفستق الحلبي، صوروا أنفسهم على أنهم المقادير الأصلية غير المغشوشة، فإذا الممارسة تكشف بأنهم ليسوا المادة المطلوبة حتى يكون أداء مجلس النواب وفق المعايير التي تتوافق مع إرادة الناس. هنا الناس طبعاً يلامون لأنهم فضلوا أكل «بقلاوة مغشوشة» عوضاً عن الأصلية، لأنهم لم يتأكدوا من المقادير قبل صناعة الطبق.
أوردت مثال تركيا وبقلاوتها الشهيرة أعلاه، وحاولت إسقاطه على مثالين في عجالة، ليس بهدف التندر، بل برغبة بيان كيف يكون الاهتمام حتى بالأشياء التي نقلل من أهميتها مثل أطباق الحلويات والأطعمة.
ما الذي يجعل دولة مثل تركيا غيرت حالها منذ سنوات وأصبحت اليوم إحدى الدول الناهضة اقتصادياً، وحولت وضعها من دولة مديونة إلى دولة دائنة، وكأنها تعيد إرث الإمبراطورية العثمانية بأسلوب مختلف؟!
الإجابة تكمن في الإصرار على «تجويد» كل شيء، على تحسين كل ممارسة وأداء، لا عبر إعلان ذلك في وسائل الإعلام وإطلاق الشعارات، بل عبر التطبيق الفعلي لها على أرض الواقع، وعبر جعل الناس هم من يقرر نجاعة العملية ونجاحها أم فشلها.
حينما نركز على المعايير، ونتشدد في الالتزام بها، بهدف ضمان عدم اهتزاز السمعة أو الإضرار بها، هنا تكون ممارساتنا أكثر حرصاً، واختياراتنا أكثر حصافة.
لدينا في البلد نوايا طيبة، وأفكار نيرة، وطاقات كفوءة قادرة، لكن المشكلة تكون حينما نريد صناعة أطيب الأطباق والمأكولات باستخدام مقادير مغشوشة أو مضروبة، أو متجملة ظاهرياً.